أثر تطور مفاهيم العدالة الجنائية في جرائم المخدرات

mainThumb

04-09-2021 04:53 PM

 أثبتت الدراسات المختصة بنظم العدالة الجنائية على مر السنوات السابقة فشل السياسة العقابية القائمة على فكرة الردع بمفردها، بالحد من انتشار الجريمة وآثارها السلبية على المجتمع.

مما دفع المجتمع الدولي إلى ضرورة تطوير مفاهيم العدالة الجنائية لمساعدة المجرم على إعادة الاندماج في المجتمع باعتباره فردا من أفراده، وذلك من خلال تطوير القواعد المتعلقة بالقانون الجنائي. الموضوعية منها و الإجرائية. 
فكرست قواعد نيلسون مانديلا (قواعد الأمم المتحدة النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء) القواعد اللازمة لمعاملة السجين لتقليص الفارق بين طبيعة المعيشة داخل السجن وخارجه مما يسهل عملية إدماجه مع المجتمع بعد انقضاء مدة العقوبة، كذلك كرست قواعد طوكيو ( قواعد الأمم المتحدة النموذجية الدنيا للتدابير غير الاحتجازية) العديد من البرامج والسياسات العقابية الإصلاحية التي يمكن للدول أن تلجأ إليها، لتحقيق الأصلاح الحقيقي للمجرمين والمنحرفين كالعقوبات المعلقة أو المؤجلة والمصادر والإقامة الجبرية وأمر خدمة المجتمع.
وقد خصت قواعد العدالة الجنائية بعض الجرائم بمعاملة خاصة نظرا لوجود اعتبار معين فيها، كما هو الحال في جريمة تعاطي المخدرات، فقد أكدت الدول في العديد من مؤتمرات الأمم المتحدة كان آخرها مؤتمر الأمم المتحدة الرابع عشر لمنع الجريمة والعدالة الجنائية لعام ٢٠٢٠، على أن اتجاه الدولة لمعالجة الجاني ومساعدته في التخلص من آثار التعاطي أولى من البحث حول فرض العقوبات عليه.
وتتسابق التشريعات الجزائية في الوقت الحاضر لتكريس هذا المبدأ، وهذا ما عالجته تعديلات قانون المخدرات والمؤثرات العقلية لعام ٢٠١٦، فبداية وضع المشرع ميزة عامة تطبق على كل من يقدم على فعل  التعاطي، بحيث لا يقيد جرم التعاطي كسابقة جرمية أو قيد أمني إذا كان للمرة الأولى، ثم تدرج المشرع في منح الميزات التي يمكن للمتعاطي الاستفادة منها كلما أظهر جدية ورغبة في التخلص من هذه الآفة، فمثلا حظر المشرع على النيابة العامة أن تحرك دعوى الحق العام إذا قام المتعاطي من تلقاء نفسه أو أحد أقربائه بتسليمه الى المراكز المتخصصة للمعالجة التابعة لأي جهة رسمية او الى ادارة مكافحة المخدرات او أي مركز أمني طالبا معالجته وذلك قبل أن يتم ضبطه، فمثل هذا الشخص يظهر جدية ورغبة حقيقة في إعادة الاندماج بالمجتمع مما يتطلب منحه ميزات أكبر تشجيعا له للإقدام على هذه الخطوة.
كذلك فقد منح القانون المحكمة صلاحية استبدال العقوبة المنصوص عليها في القانون باتخاذ بعض الإجراءات كوضعه في إحدى المصحات المتخصصة بمعالجة متعاطي المواد المخدرة والمؤثرات العقلية، أو أن تقرر معالجته في احدى العيادات المتخصصة في المعالجة النفسية والاجتماعية للمدمنين على تعاطي المواد المخدرة والمؤثرات العقلية.
وكذلك كرست التشريعات المقارنة ذات المبدأ كان آخرها المشرع القطري والذي كرس هذا المبدأ والاسلوب في تنظيم جريمة في تعديلات قانون مكافحة المخدرات رقم ٣ لعام ٢٠٢٠، إلا أن المشرع القطري توسع في تطبيق مثل هذه الميزة فلم يحصرها في المرة الأولى للتعاطي فلا يمكن بأي حال اعتبار الأحكام الصادرة بالتعاطي سابقة لتطبيق أحكام العود.
إلا أنه يؤخذ على موقف كل من التشريعين الأردني والقطري إنهما غضا النظر للوسيلة التي يمكن أن يلجأ لها المتعاطي للحصول على المادة المخدرة مع أن بعض الوسائل قد تشكل جرما بحد ذاته يدل على وجود خطورة إجرامية عالية ومتأصلة في نفس الجاني تستدعي سياسة عقابية مختلفة


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد