الربيع العربي يجدد الآمال في نهضة علمية بالشرق الأوسط

mainThumb

19-08-2011 05:24 PM

منذ 12 عاما اقترح عالم الكيمياء المصري أحمد زويل للمرة الأولى انشاء معهد للعلوم والتكنولوجيا في القاهرة بتكلفة ملياري دولار وذلك بعد فوزه مباشرة بجائزة نوبل.


وافق حينها الرئيس حسني مبارك بسرعة على الخطة ومنح زويل قلادة النيل أعلى وسام مصري. وخلال شهور وضع حجر الأساس في ضاحية جنوب القاهرة "لمدينة للعلوم" من المقرر ان تفتتح في غضون خمس سنوات.


لكن بينما كان زويل - الذي يقوم بالتدريس في جامعة كاليفورنيا للتكنولوجيا منذ عام 1976 - يجمع المزيد من الجوائز ودرجات الدكتوراة الفخرية في الخارج غرق مشروعه الوليد في متاهة الديمقراطية والفساد.


وبدا أن تنامي شعبيته في مصر حيث كان يوصف بانه مرشح محتمل للرئاسة بعد أن أطاحت احتجاجات حاشدة بحكم مبارك هذا العام كان مبعثا لقلق المسؤولين الذين يشرفون على المعهد لذا عرقلوه بكل وسيلة ممكنة.


وقال زويل لرويترز في فبراير شباط "لم نحقق أي تقدم."


لكن مع اجتياح الثورات الآن لمنطقة الشرق الأوسط أعطى المجلس العسكري الذي يدير الأمور في مصر والحكومة المدنية المؤقتة الضوء الأخضر للمشروع في يونيو حزيران. وأشاد مؤيدون بالقرار باعتباره خطوة ايجابية نحو شرق أوسط جديد وأكثر حداثة.


يقول محمد أحمد غنيم أستاذ المسالك البولية في جامعة المنصورة بمصر وعضو مجلس الأمناء "بعض الأشخاص في النظام القديم لم يكونوا سعداء بالأضواء المسلطة على الدكتور زويل." لكنه أضاف في رضا أن الوضع تغير الآن مع "تغير صانعي القرار".


وأردف ان المشروع "قاطرة ستسحب قطار البحث العلمي في هذا البلد."


وتؤكد البيانات على سوء أوضاع البحث العلمي في الشرق الأوسط لاسيما في الدول العربية. وينفق 0.2 في المئة فقط من الناتج المحلي الاجمالي للمنطقة على البحث العلمي مقابل 1.2 في المئة على مستوى العالم. ولا تضم قوائم أفضل 500 جامعة في العالم سوى عدد قليل من الجامعات العربية.


لكن علماء عرب يقولون إن الخطوات الأولى صوب التغير قد بدأت.


وأظهر تقرير أعدته خدمة تومسون رويترز جلوبال ريسيرش مؤخرا أن بلدانا عربية وتركيا وايران ضاعفت بأكثر من المثلين انتاجها من الأوراق البحثية بين 2000 و2009. وبدأ التقدم بشكل لا يمكن انكاره من قاعدة منخفضة إذ ارتفع من اثنين بالمئة من الناتج العالمي للبحث العلمي إلى أكثر من أربعة في المئة في نهاية العقد لكن المنحنى آخذ في الصعود.


وقال التقرير "يتزايد نصيب المنطقة من معين البحث العلمي الآخذ في الاتساع."


وقال نضال جيسوم أستاذ الفيزياء الفلكية الجزائري الذي يعمل في الجامعة الأمريكية بالشارقة بدولة الامارات العربية "يشهد العالم العربي الاسلامي تقدما كبيرا حتى وإن ظلت الجامعات متواضعة إلى حد كبير."


ويضيف "النظام التعليمي في المدارس الابتدائية والثانوية لا يزال يتخلف كثيرا عن المعايير العالمية لكن مقارنة بما كان عليه منذ 30 إلى 50 عاما فهناك تقدم كبير بكل وضوح."


ويتوق العالم الاسلامي بشتى السبل كي يعود إلى ماضيه التليد. فخلال العصر الاسلامي الذهبي في الفترة ما بين القرنين الثامن والثالث عشر كانت المنطقة الأكثر تقدما في مجال العلوم. ووقتئذ كانت أنبغ العقول العلمية تعمل في بغداد ومصر وقرطبة بالأندلس.


ووضع الرياضيون المسلمون علم الجبر والمقابلة ووضع الفلكيون المسلمون خرائط للأجرام السماوية في الكون. وكانت المستشفيات في العالم الاسلامي متقدمة للغاية بحيث أن أهم المؤلفات الطبية في الجامعات الأوروبية في الفترة بين القرنين الثالث عشر والسابع عشر كانت ترجمة لاتينية لكتاب القانون في الطب الذي أتمه عام 1025 الطبيب والفيلسوف الفارسي ابن سينا.


لكن بدءا من القرن السابع عشر انطلقت أوروبا بفعل الثورة العلمية بعيدا عن الشرق الأوسط. وبدا أن حكام الدولة العثمانية التي كانت تضم معظم منطقة الشرق الأوسط لا يرغبون أو لا يستطيعون اللحاق بركب التقدم.


وتتراوح أسباب هذا التراجع بين التأثير المدمر للغزو المغولي في القرن الثالث عشر إلى الاستغلال الاستعماري الذي عانت منه المنطقة في القرن العشرين.


وتلقي نظرية أخرى باللوم على الاسلام نفسه.


وبينما قد لا يمثل الاسلام العقبة الرئيسية فقد لعب بالتأكيد دورا في الحد من ملكوت العلم في العالم الاسلامي إذ انه كثيرا ما كانت تقابل الأفكار التي تتعارض مع القرآن بالارتياب وأحيانا ترفضها الهيئات الدينية.


تقول رنا الدجاني أستاذ علم البيولوجيا الجزيئية في الجامعة الهاشمية بالأردن وهي مسلمة متدينة ترتدي الحجاب إن تلاميذها الأردنيين يمكن أن يقبلوا بنظرية النشوء والارتقاء بين الأنواع الحيوانية لكنهم يرفضونها عندما يتعلق الأمر بان الانسان والقرد من أصل مشترك.


ويتمثل اعتراضهم الرئيسي على أن الانسان هو أرقى المخلوقات والقول بغير هذا يعد تجديفا.


وقالت الدجاني في مؤتمر في كيمبردج بانجلترا حول الاسلام والعلوم حضره جيسوم وعلماء عرب آخرون في مايو آيار "في رأيهم ان الله خلق ادم واستخلفه في الارض. اذا ما قبلت بنظرية النشوء فيجب ان يكون هناك أكثر من آدم وبالتالي هذا غير مقبول". الا انها تطلب من طلابها ألا يعاملوا القرآن بوصفه نصا علميا.


"إذا ما عن هناك أي تعارض بين العلوم وتفسيرنا للقرآن فيجب علينا ان نعيد تقييم هذا التفسير."


يقول جيسوم إن علماء الفلك يواجهون مقاومة عندما يقترحون استخدام الحسابات الرياضية لتحديد أطوار القمر كوسيلة موثوقة في تحديد بداية شهر رمضان.


يتابع جيسوم الذي حصل على الدكتوراة من جامعة كاليفورنيا في سان دييجو "يمكن للعلم أن يقدم الاجابة عن جميع الأسئلة لكن المؤسسات الدينية لا تريد أن تخضع للعلم. يريدون أن يكونوا الطرف الذي يحدد قواعد النقاش..."


ويضيف أن الكثير من المؤسسات الدينية لم تشجع البحث في مجالات مثل تطور الانسان والجينات وعلم الكائنات القديمة وعلم الانسان باعتباره يتعارض مع الايمان.


يقول غنيم أستاذ المسالك البولية إنه حتى المعهد الجديد للعلوم والتكنولوجيا في مصر ربما لن يفلت من هذه الضغوط بالكامل.


ويستطرد "هناك مجال ضيق للغاية يمكن أن يواجه هذه القيود خاصة في مجال أبحاث الخلايا الجذعية."


ويشير جيسوم إلى الانجازات العلمية في الماضي.


ويتساءل "لقرون لم يتعايش الاسلام والعلم بطريقة رائعة وحسب بل أنتجا حضارة علمية مجيدة. إذا كان الاسلام رائعا وقتها فلماذا أصبح سيئا للغاية الآن.."


ورغم ذلك يرى كثيرون إن الهياكل السياسية والاجتماعية في الشرق الأوسط حاليا هي الجاني الرئيسي وخاصة الطبيعة الاستبدادية للأنظمة السياسية في المنطقة.


تقول قانطة أحمد الطبيبة المسلمة بريطانية المولد التي عملت في المملكة العربية السعودية "يمكنك أن تجد باحثين بارعين تعرف أنهم لن يحققوا أكثر من ذلك لأنهم لا يتمتعون برعاية الديوان الملكي أو ينتمون لعائلات أو جماعات مرموقة... المسألة لا تتعلق بالجدارة."


وترى الدجاني أن حرية التفكير والتعبير خنقت في العالم العربي.


"هذا وضع سياسي استمر 50 عاما على الأقل وربما تمتد جذوره لما هو أبعد.


"لم يقتصر التأثير على مجال السياسة بل امتد ايضا إلى المجتمع بأسره عندما تحرم من حرية التفكير لا يكبر الأطفال وهم يتساءلون عن كنه الأشياء المحيطة بهم فقط لكنهم يقبلون بالأمر الواقع. وبالتالي تحد من أي نوع من التقدم في أي مجال."


كما تآمرت البيروقراطية والمحسوبية ضد التقدم العلمي. فغالبا لا تذهب المنح العلمية والوظائف الاكاديمية إلى أصحاب المؤهلات لكن إلى أصحاب العلاقات العامة ويمكنهم تعطيل أو وقف العمل في مجالات لا يفهمونها أو لا يتفقون معها.


تقول الدجاني "غالبا ما يتم اختيار أصحاب المناصب العليا لأسباب سياسية ولم يكن بوسعك أن تجادل في ذلك من قبل لانه لم تكن هناك حرية لتفعل ذلك... لا نواجه أي مشكلة في الحصول على تمويل من الخارج أو الداخل. انها البيروقراطية والادارة التي تقتل الأشياء حقا."


وعلاوة على التغيرات السياسية التي شهدتها المنطقة في الشهور الأخيرة يقول جيسوم انه يجب أن تكون هناك ضمانات بعدم سجن العلماء أو فرض الرقابة عليهم او تكفيرهم بسبب شيء قالوه أو كتبوه. ويضيف "عندها سيكون هناك تحول في المجتمع وسيزدهر العلم."


ووصف نفسه بانه "متفائل على الأمد الطويل" لان الربيع العربي سرع من وتيرة نزعات التحديث التي كانت موجودة بالفعل.


"ما من شك لدي في ان المزيد من الحرية والديمقراطية والمزيد من القدرة على النقاش سيشجع العلوم ويفتح آفاقا جديدة للاستكشاف... في الأجل الطويل سنرى تطورات مذهلة."


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد