طبول الحرب وحرب وشيكة في أوكرانيا .. بحث في المؤشرات!

mainThumb

08-02-2022 05:08 PM

 في أتون التصعيد الروسي في الأزمة الأوكرانية تتقلب الأسئلة وتعوم في العمق فلا تخرج إلا بحقيقة أن الحرب باتت وشيكة، وسوف نبحث في الأسباب من خلال استعراض الاستراتيجيات المحتملة وكيف أصبح الاجتياح هو الخيار الذي تلوح راياته من وراء أفق الأزمة المتفاقمة والتي اتخذت بعداً عالميا جليا.

فهناك ثلاثة سيناريوهات متوقعة للحرب بين روسيا وأوكرانيا، وسنبدأ بالأكثر احتمالاً وفق المؤشرات على الأرض:
الأول: مرتبط بالحشودات الروسية على الحدود مع أوكرانيا التي اكتمل منها 70% وفق تقديرات الخبراء، مقابل الحشودات العسكرية وتنامي الترسانة العسكرية بدعم أمريكي مفتوح، في الطرف الأوكراني، ما يؤشر إلى واقعية سيناريو الاجتياح الروسي الشامل وذلك وفق التوقعات الأمريكية التي ذهبت إلى درجة تقدير النتائج باحتلال روسيا لكييف في غضون 72 ساعة.
ومن الطبيعي أن حسابات البيدر ليست بالضرورة أن تتوافق وحسابات الحقل، لأن التعبئة الشعبية الأوكرانية من شأنها أيضاً تحويل البلاد إلى مستنقع شبيه بسوريا أو أفغانستان.. حيث تتوفر فيهما عبر تاريخية كثيرة، ما قد يعيد حسابات روسيا على الدوام إلا إذا أخرج قيصر روسيا ذلك من حساباته في نية عامرة للغزو الشامل.
الثاني: اجتياح ميسّر لشرق أوكرانيا وتحديداً منطقة "دونباس" التي شهدت في بداية شهر مارس عام 2014، خروج مظاهرات من جانب الجماعات الموالية لروسيا والمناهضة للحكومة التي أعقبت ضم شبه جزيرة القرم من الاتحاد الروسي، وهي جزء من مجموعة واسعة من الاحتجاجات المتزامنة الموالية لروسيا في جنوب وشرق أوكرانيا ، تصاعدت لتتحول إلى نزاع مسلح بين القوات الانفصالية ل"دونيتسك" المعلنة. وهي الآن جزء من تداعيات الأزمة الأوكرانية كون منطقة "دونيتسيك" تعتبر من أهم المرتكزات الجيوسياسية للاجتياح الروسي لأوكرانيا كون غالبية سكانها من الناطقين باللغة الروسية. 
وهذا من شأنه لو نفذ، أن يحقق الأهداف السياسية الروسية الرامية إلى تنظيم منطقة آمنة حول روسيا تعزلها عن خطوط التماس مع أوروبا الغربية. وهي أيضاً رسالة روسية صارمة لحلف الناتو مفادها أن دخول أوكرانيا حلف الناتو سيكون بمثابة إعلان حرب غير مباشرة على روسيا وفق النظام الأساسي للحلف الذي يلزمه بالدفاع عن أوكرانيا مباشرة فيما لو سعت لاستعادة شبه جزيرة القرم، الأمر ذاته الذي أوضحته موسكو مراراً وتكراراً في تصريحات بوتين ووزير خارجيته في العديد من المناسبات.
وهذا لا يعفي روسيا من تبعات هذا الخيار على صعيد العقوبات الاقتصادية الغربية تناغماً للتوجهات الأمريكية التصعيدية التي تسعى إلى إغراق روسيا في حرب باهظة التكاليف قد تعيدها إلى الوراء لعقود. 
الخيار الثالث: اللجوء إلى المفاوضات المباشرة للتوصل إلى ضمانات أمنية غير مجزأة وموثقة كتابياً، وهو ما تنادي به روسيا وتتهرب منه أوروبا كونه مرتبطاً بإرادة أمريكا الإملائية.
وللتأكيد على تهميش روسيا لهذا القرار فقد فشلت زيارة رئيس فرنسا ماكرون في التوصل إلى نتائج في أطول لقاء جمعه بالرئيس الروسي في الكرملين استمر لست ساعات.. والتي جاءت كأنها زيارة استكشافية للموقف الروسي المحتمل واختبار للنوايا على اعتبار أن مشاورات فرنسا لحلفائها ما قبل الزيارة كانت خالية من الوعود لذلك خرج اللقاء الروسي الفرنسي استعراضياً لا يحمل إشارات إيجابية.
وبقيت هناك جهود ألمانية تركية مشتركة في محاولة للجمع بين طرفي الأزمة في استنبول لنزع فتيل الحرب خلال المفاوضات.
ولا شك أن النية ألألمانية عامرة في هذا الاتجاه كون برلين هي الأكثر تضرراً على صعيد أوروبي، كونها تستورد 40% من الغاز الطبيعي من روسيا؛ إلا أن البوادر غير مبشرة إلى الآن.. ويبدو أن أمريكا تحاول قطع الطريق أمام أي بوادر حل ممكن للأزمة.
فالموقف الأمريكي تصعيدي ويسعى إلى عدة أهداف أهمها:
الأول: إضعاف روسيا اقتصادياً، ولضمان ذلك تحاول تهميش سلاح الطاقة في الأزمة الأوكرانية من خلال تعويض نقص الغاز الروسي المحتمل قطعه ولو نسبياً عن أوروبا إبان الحرب المقبلة بالغاز القطري؛ لذلك أبلغ الرئيس الأمريكي جو بايدن مؤخراً الكونغرس رسمياً بتصنيف دولة قطر حليفاً رئيسياً للولايات المتحدة من خارج حلف شمال الأطلسي "الناتو"، عقب المباحثات التي أجراها مع الشيخ تميم في أول لقاء قمة يعقده مع قائد خليجي في البيت الأبيض منذ توليه الرئاسة قبل عام.
ثانياً: تحقيق ضربة مزدوجة من خلال قطع طريق التحالف المحتمل بين روسيا والصين وإيران لعدة أسباب، أهمها:
- إفشال ما تسعى إليه روسيا في أوكرانيا وبالتالي جعل الصين تراجع حساباتها ومن ثم كبح خططها لاحتلال تايوان توطئة لبسط نفوذ التنين الصيني المتنامي على بحر الصين.. وخاصة احتمال أن تتوحد ساعة الصفر الروسية والصينية في تنفيذ عمليتين في أوكرانيا وتايوان.. بحيث تخفف إحداهما الضغط على الثانية.
 
 
- تعطيل استراتيجية إنقاذ روسيا من قبل الحليف الصيني بشرائه الغاز الطبيعي الروسي إذا ما تم قطعه كسلاح روسي ضد أوروبا الغربية، وذلك تعويضاً من قبل الصين لخسائر روسيا في هذا الاتجاه.
وفي نظرة شمولية لتداعيات ذلك فإن هذه الاستراتيجية قد لا تتوافق مع السياسية الإيرانية التي تجد في الصين أهم أسواقها في مجال الطاقة إذ تخشى من إلغاء بعض عقودها المبرمة مع الصين دعماً طارئاً لروسيا وهذا يشكل تعارضاً محتملاً للمصالح العليا بين البلدين.
لكنه أيضاً سيعوض نقص الغاز القطري المحتمل لدى الصين من جراء تحويل أكبر كمية ممكنة منه إلى أسواق أوروبا الغربية وهو هدف أمريكي تسعى إليه دائماً؛ الأمر الذي سيرغم قطر على إلغاء عقودها مع الصين ودول أخرى حتى تتمكن من توفير الكمية التعويضية المطلوبة.
 
 
- سحب البساط من أي دعم إيراني محتمل لروسيا في الأزمة الأوكرانية من خلال تخفيف الحصار عن إيران فيما يتعلق بالملف النووي؛ كخطوة باتجاه العودة إلى الاتفاق النووي الذي انسحبت منه الولايات المتحدة في عهد ترامب عام 2018، وأصبحت إيران غير ممتثلة له بشكل كبير.
وسيسمح الإعفاء للشركات والدول بمواصلة العمل في المشاريع النووية المدنية في محطة بوشهر الإيرانية للطاقة النووية ومفاعل أراك للمياه الثقيلة ومفاعل طهران للأبحاث.
 
 
قرع طبول الحرب هو سيد الموقف، وضجيج التصعيد بات على مشارف المواجهة.. وهذا يؤشر بوضوح إلى أن خيار الحرب وإن بدا بالغ الصعوبة؛ إلا أن الكارثة سوف تقع لا محالة إذا اشتعل فتيلها، فيصعب حينئذٍ إيقافها، هذا الفتيل الذي ينتظر العقلاء كي ينتزعوه في غفلة من الشيطان وقد بات يعربد في تفاصيلها دون رادع.
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد