أميركا والتضخم، ومعاقبة روسيا هو الحل

mainThumb

03-03-2022 03:49 PM

تمثل جائحة كورونا منعطف خطير في اقتصاديات الدول في جميع أنحاء العالم، حيث ارتفعت معدلات البطالة إلى مستويات مزعجة، وانخفضت معدلات النمو إلى مستويات مقلقة، ومع ذلك استطاعت معظم الدول تجاوز هذه المرحلة من خلال سياسات التيسير الكمي او النقدي، وعلى رأس هذه الدول أمريكا التي اتبعت سياسة نقدية متساهلة حيث طبعت أكثر من ٤ تريليون دولار، وهو الرقم الأكبر على مدار تاريخ أمريكا، ولكن هذه السياسة النقدية التحفيزية بقدر ما ساهمت في حل مشكلة النمو والبطالة إلا أنها عمقت مشكلة التضخم في جميع الدول، فوصلت نسب التضخم في أمريكا إلى ٧,٥٪ وهي الأكثر على مدار ٤٠ عام الماضية، وتجاوزت مستويات التضخم في الاتحاد الأوروبي وبريطانيا ٥٪، فما هي الطريقة التي ستتبعها أمريكا وأوروبا للخروج من هذا النفق التضخمي المظلم. 
 
وصلت أميركا وأوروبا إلى طريق مسدود وأصبحت هذه الدول غير قادرة على السيطرة على مستويات التضخم المرتفعة، فرفع سعر الفائدة من قبل الفيدرالي الأمريكي أو البنك المركزي الأوروبي يمكن أن يفاقم المشكلة بدل أن يحلها، صحيح أن رفع معدلات الفائدة يقلل نسبيا من التضخم لكنه يمكن أن ينعكس بشكل سلبي على معدلات النمو داخل أوروبا  وأميركا من جهة، وعلى قيمة الشركات وأداء البورصات من جهة أخرى، مما يؤدي إلى تباطؤ معدلات النمو وزيادة البطالة والعودة إلى المربع الأول، فما هي الطريقة التي يمكن أن يتفق عليها الغرب "أوروبا وأمريكا" لمعالجة هذه المشكلة؟ وما هو التوقيت المناسب للشروع في الحل؟ 
 
وكما ذكرنا سابقا، أن زيادة معدلات التضخم في أمريكا والعالم كانت نتيجة طباعة تريليونات الدولارات الأمريكية من جهة، وتعرقل الشحن والإمدادات وسلاسل التوريد من جهة أخرى، مما أدى إلى وقوع أمريكا والعالم في مأزق معدلات التضخم المرتفعة، وأمريكا حاولت جاهدة للخروج من هذا المأزق خلال عام ٢٠٢١ ولكن جميع محاولاتها باءت بالفشل وقد صرح الفيدرالي أخيرا بأن التضخم ليس مؤقت، ولقد حاولت أمريكا وضع اللوم على منظمة أوبك+ مع نهاية عام   ٢٠٢١ بأنها ترفض زيادة الإنتاج، ولكن أوبك+ لم تستجيب لمطالبات السيد بايدن، ثم قامت أمريكا بالسحب من المخزونات الاستراتيجية وطالبت دول أخرى مثل الصين واليابان بأن تسحب من مخزوناتها الاستراتيجية، ولكن مع ذلك أسعار النفط بقيت فوق ٨٠ دولار، ثم ظهر فيروس أوميكرون ضخمت من تأثيره في بداياته إلا أن أسعار النفط عاودت إلى الارتفاع بعد شهر من ظهور الفيروس مع نهاية العام ٢٠٢١ ليعود سعر برميل النفط إلى الارتفاع حول ٨٥ دولار. 
 
 مع بداية عام ٢٠٢٢، حيث بدأت أمريكا بمحاولة تعليق مشكلة التضخم على جهة أخرى من العالم، ولكي تصرف الأنظار عنها واعادة توجيه الأنظار إلى دولة أخرى، وجدت أميركا ضالتها في روسيا التي هي العضو الأبرز في منظمة أوبك+، فما هي الطريقة التي يمكن أن توجدها أمريكا لكي تخلي مسؤوليتها أمام العالم من ارتفاع الأسعار نتيجة طباعة تريليونات الدولارات وتعرقل سلاسل التوريد؟ وبنفس الوقت تعاقب منظمة أوبك+، نلاحظ أن امريكا عادت إلى الحل الأول مع نهاية فصل الشتاء، من خلال العودة الى منظمة أوبك+، ومن أكبر الدول المصدرة للنفط في أوبك+ هي روسيا التي تصدر ١١ مليون برميل نفط يومي، ومع انخفاض حاجة أوروبا للغاز والنفط نسبيا مع نهاية فصل الشتاء، يبدو أن أمريكا قررت معاقبة روسيا من خلال استنزاف روسيا وزجها في حرب! 
 
دخول روسيا في حرب مع أوكرانيا يساهم في رفع معدلات التضخم بشكل كبير في العالم، وذلك لوجود مصدرين أساسيين لديها وهما الحبوب والطاقة، روسيا بدأت تشكل خطورة على الغرب، حيث كانت تتوسع في علاقاتها مع أوروبا بتغطية وتصدير ٤٠٪ من الغاز للقارة الأوروبية،  وتتوسع في علاقاتها مع الصين من حيث الاتفاقيات و التبادلات النفطية والتجارية، وبالوقت نفسه أصبح لها امتداد في الشرق الأوسط، وخاصة في سوريا، وتعتبر روسيا من الدول المكتفية ذاتيا وخاصة من الحبوب، فهي أكبر دولة مصدرة للقمح ورابع أكبر دولة مصدرة للذرة في العالم، لذلك بدأت روسيا تتغلغل في العالم و تزداد قوة يوما بعد يوم، بالتالي ليس هناك طريقة أمام أمريكا لمعاقبة أوبك+، وتقلل من تغلغل روسيا وتمددها نحو الشرق والغرب؟ الا بزجها في حرب، ومع من؟ مع نفسها بخلق توترات جيوسياسية. 
 
ستكسب بهذه الطريقة أميركا وأوروبا وحلف الناتو تأييد إعلامي بأن استدرجت روسيا لتغزو دولة مجاورة، وهذا لا يجوز دوليا، كما أن أمريكا فرضت عقوبات اقتصادية على روسيا بإخراجها من نظام سويفت للمدفوعات المالية العالمية الذي أثر بشكل سلبي ومباشر على عملتها الروبل بالانخفاض الحاد بأكثر من ٢٥٪ مقابل الدولار من جهة، وإغلاق البورصة الروسية خوفا من انهيار أسهم الشركات فيها، وستدخل روسيا في حرب استنزاف لا منتصر فيها، وبالمقابل سيزداد الدولار الأمريكي قوة في العالم، إضافة إلى ذلك ستكسب أمريكا وأوروبا وحلف الناتو تأييد شعبي عالمي بسبب التضخم الكبير الناتج من ارتفاع أسعار الحبوب والطاقة نتيجة الحرب، وقد بدأنا نلمس هذه الارتفاعات حيث كسر برميل النفط حاجز ١١٠ دولار وارتفعت أسعار القمح مؤخرا من ٢٧٥ دولار الى ٣٢٥ دولار، هذا التضخم الكبير سيدفع الشعوب في جميع أنحاء العالم لاتهام روسيا  بأنها سببت هذا التضخم الكبير، وستجد نفسها محاصرة من جميع دول العالم. 
 
بنهاية المطاف ولو على المدى الطويل، سيتم معاقبة روسيا، وستكون أمامها خيارين، الأول هو أن تتراجع وتجلس على طاولة الحوار والمفاوضات، وتنسحب من أوكرانيا لتجنب انهيار الروبل الروسي، وتتجنب انهيار أسهم الشركات الروسية، وسيتم مهاجمتها إعلاميا وزيادة السخط العالمي عليها بسبب ارتفاع معدلات التضخم المتسارعة، وهذا سيسمح لأمريكا أن تصرف النظر عنها مؤقتا وتحاول تهدئة وترتيب أوراقها، وتعيد ترتيب العالم والاقتصاد، وتسمح لحلف الناتو بأن يتمدد نحو الشرق أكثر، مما يزيد الخناق على روسيا كدولة وعلى أوبك+ كمنظمة نفط دولية، أو تذهب للخيار الثاني والأصعب وهو دخول العالم في نفق مظلم وحرب عالمية ثالثة لا تبقي ولا تذر. 
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد