صحيفة السوسنة الأردنية

حمل هجرس ايه كيه47 بندقية آلية روسية الصنع - كلاشنيكوف واتجه الى بيت عمه في شمال القرية المطل على واد جاف سحيق محاذٍ لقرية " اطلال الزمان" . طرق البوابة مناديا : صافي يا صافي ... خرج صافي يعدو من البيت نحو ابن عمه هجرس ، فلحق به أبو صافي مسرعا صارخا : " الى أين ... إلى أين؟ "
قال هجرس :" السلام عليك يا عم... انا من بعد إذنك سأصطحب صافي معي الى الوادي ادربه على استعمال السلاح ... لقد اكمل الان في السادسة عشرة من عمره وما عاد صغيرا فاليو يبدأ عامه السابع عشر ... يجب ان يعرف كيف يستعمل السلاح" . فقال العم : " بارك الله فيك ... لكن احرص الا يحدث خطأ ما يودي بحياة احدكما!"
قال هجرس: لا توصِ حريصأ ياعم! فأنا رجل واع ابن سبع وعشرين عاما ما عدت طفلا . سنعود سالمين بإذن الله ، ادع لنا يا عم!
انطلق الشابان تعلو البهجة وجهيهما مسرعين نحو الوادي، لكن نزلا بصعوبة بسبب الانحدار الشديد ، فأخذا يسيران ببطء وحذر خشية انزلاق اقدامهما فوق الصخور الملساء كانت المسافة الهوائية التي تفصل سفحي الجبل الذي يشقه الوادي لا تتجاوز المائة والخمسين متر في أوسع المسافات، واثناء هبوطهما السفح شديد الانحدار شاهدا ثعلبا يَتَسلبد فوق صخرة شاهقة في السفح المقابل فقال هجرس : اول الصيد ثعلب هذا اليوم . جلس هجرس القرفصاء على الأرض وقد استند الى صخرة وسدد سلاحه واطلق طلقة واحدة فهوى الثعلب من على الصخرة الى قاع الوادي! قال صافي : لماذا قتلته فنحن لن نستفيد منه شيئا فهو لا يؤكل فقال هجرس : فائدة الصيد ليست الأكل فحسب دائما ، فالصيد متعة أولا فإنك تشعر بسعادة عند إصابة الهدف ! فقال صافي : انا لا أرى ذلك صوابا ، فأنت تقتل مخلوقا بريئا من اجل متعتك الشخصية فهذا فساد في الأرض ، حتى الحيوانات المفترسة لا تقتل فريستها من اجل المتعة بل لسد رمقها ، فالأسود لا تقتل الا إذا كانت جائعة !
فقال هجرس : احيانا يكون القتل ممتعا حتى وان قتلت إنسانا وليس حيوانا كالثعلب لا قيمة له في نظرك!
قال صافي : وضح ما تقصد فأنا عاجز عن فهم فلسفتك!
قال هجرس : خذ مثلا " عمران" زوج اختك "كوكب" الا يستحق القتل برصاصة بين عينيه !
ضحك صافي قائلا:" له... له .. ماذا فعل الرجل حتى يقتل برصاصة بين عينيه ؟"
لقد اثارت كلمات هجرس الحاقدة على" عمران" فضول صافي ، فاراد ان يسبر غور هجرس ويستكشف ما لديه فقد كان صافي حصيفا لمّاحا يدرك مرامي القول، فقد كان يتمتع بحنكة الشيخ المجرب رغم صغر سنه فاراد ان يشتري من هجرس و لا يبيعه شيئا فقال : خبرني ماذا فعل وان كان يستحق ذلك فانا اول من يكون معك ويؤيدك !"
فقال هجرس: " انا لا اريد توريطك وأورّط نفسي في المشكلات المعقدة فالمسألة معقدة واخاف ان تتهور وتتصرف تصرفا يدمر مستقبلك يا ابن عمي العزيز!
فقال صافي : لماذا اتصرف تصرفا يدمر مستقبلي ، فالأمر جد خطير ،إذن، إنه يتعلق بي والا لما قلت ذلك!
فإن لم تخبرني ، فهذا فراق بيني وبينك فسأقطع علاقتي بك وانسى انك ابن عمي،
قال هجرس دعنا نهبط الى قاع الوادي ثم نجلس في ظلال تلك الصخرة التي اصطدنا فوقها " الثعلب" وسأخبرك كل ما اعرف !
وصلا قاع الوادي فسارا فوق الحصى الأبيض الناعم وعند وصولهما شاهدا الثعلب مرميا بلا حراك فوق الحصى ، تقدم هجرس واستل سكينا من غمدة وقطع ذيل الثعلب كثيف الشعر من أصله!
دهش صافي لما فعل هجرس فقال هجرس: الان تدرك ان للثعلب فائدة : فالطلقة التي رميتها به لا تساوي عشرين قرشا ، وانا سوف ابيع ذيل هذا الثعلب بخمسة دنانير على الأقل ! هناك كثر يرغبون في شراء ذيل الثعلب لأغراض الزينة
جلس صافي في ظلال الصخرة الوارف، كان الحصى باردا وهبت نسمات لطفيه عبر الوادي ، وتناول صافي مطرية الماء وشرب منها وحمد الله.
جلس هجرس على مسافة غير بعيدة من صافي ، فقال صافي :" هات ما عندك خبرني ما الاسباب الموجبة لقتل "عمران"
ابتسم هجرس ابتسامة تشع خبثا ومكرا وقال : " انت ما زلت صغيرا ، واخشى ان تتصرف تصرفا طائشا"
نهض صافي غاضبا وقال:" وداعا ... انس اني ابن عمك . انا عائد الى البيت !"
قهقه هجرس قائلا :" صبرا ... صبرا اقعد يا رجل للم أنمت واقف ما ضر لو قعدت وانا سأحكي لك كل شيء".
جلس صافي والغضب يعلو محياه قائلا :" صحيح انا صغير السن لكن لدي فهم الرجال الكبار هيا خبرني" .فقال هجرس عاهدني الا تخبر والديك ولا اختك " كوكب " بما احكيه لك ، فإن اقتنعت بما أقول فسننفذ خطة للخلاص من عمران ! فقال صافي:" سترك يارب ! لقد واثرت فضولي : انطق "
قال هجرس " عاهدني أولا :
أجاب صافي عاهدتك وصدقتك العهد "
قال هجرس : عمران زوج اختك قوّاد فقد دنس شرفنا عندما تزوج احتك كوكب فقد فضّله ابوك عليّ
اتعرف لماذا لم يسكن عند اهله قريبا من بيتكم ؟1
لقد اختار ان يسكن في البيت الذي يعيش فيه الآن في طرف القرية حتى يلعب على كيفه دون حسيب أو رقيب!”
فهو الان يعمل في مكان بعيد ويغيب أياما ولا يعود الى بيته الا ليلا ، لأنه يجلب معه الزبائن ، يدخلهم عل اختك ويكسب المال ببيع شرفها! فهو عبد للمال لا يهم دين ولا عرض ولا شرف!"
نهض صافي غاضبا قائلا :" مستحيل انت كاذب انت كاذب!"
صمت هجرس مطرقا ثم قال :" إهدا... إهدأ ،انا ادرك تأثير الصدمة فيك فلو كنت مكانك لما صدقت ! لكن انا ابن عمك ليس بعيدا عنك فعرضك عرضي ولا يهون علي ! لكن علينا التصرف بحكمة ورجولة حتى نغسل العار ! فلو انفعلنا وعلا صراخنا فلن نَصِلْ الى شيء ! يجب ان يكون صدرك صندوقا مغلق الاحكام، تحمل فيه لظى الانتقام فالصمت خير من الجعجعة !
اصبر وتأكد من كلامي!
جلس صافي وشرب الماء !
وتذكر ان هجرس قد افتعل ضجة كبيرة عندما تزوجت اخته عمران، فقال في نفسه " كلامه صحيح،يجب التصرف بحكمة ، سأتماشى معه واتظاهر اني اصدق ما يقول حتى اصل الى ما يريد!
ففقال صافي : " انت احضرتني الى هنا لتدربني على السلاح، لا لتحدثني عن عمران الخسيس ، فهيا دربني فانا الان اشد ما أكون راغبا في تعلم القنص والرماية .."
ابتسم هجرس قائلا في نفسه :" غمزت السنارة فأكلت السمكة الطعم" ستدرك يوما ياعمي أبا صافي الخازوق الذي أعده لك"
قال هجرس :" التدريب على السلاح هو الخطوة الأولى للخلاص من عمران واختك كوكب أيضا فهي تستأهل صلية كاملة تفجر راسها!"
قال هجرس لننتقل الى مكان افضل من هذا المكان الضيق، لننتقل الى مكان أوسع من هذا ويكون ساترا عن عيون المتطفلين حتى لا يرانا احد ونحن نتدرب على السلاح .
سارا قليلا في بطن الوادي حتى وصلا صخرة كبيرة ظلالها يمتد فوق رمل الوادي : جلسا واستراحا ، ثم نزع هجرس مخزن الذخيرة واخذ يفكك البندقية ويعيد تركيبها .. ثم انه شرح لصافي كيف يسدد على الهدف بحيث ينظر من الفرضة الى الشعيرة ثم يسدد الى أعلى منتصف الهدف ثم يطلق النار بالضغط على الزناد بحركة واحدة دون تردد او ارتجاج ....
استوعب صافي سريعا ما شرح له واسرع واضعا قطعة خشب قديمة على مسافة تزيد عن مائة متر ثم امسك البندقية وسدد نحوها واطلق النار فأصابها ، وكرر ذلك عدة مرات ... لقد مضى ساعتان من الزمن فقررا العودة على ان يعودا بعد غدا لتكرار التدريب!
وفي طريق العودة قال هجرس:" يجب ان نراقب بيت اختك كوكب كل ليلة بالتناوب - انت ليلة وانا ليلة أخرى !
لكن الليلة زوج اختك عمران هناك فسأذهب انا وأنت وأثبت لك صدق قولي فستجد زبونا او اثنين عنده "
وبعد صلاة العشاء ، قال صافي لوالده أنه سيذهب بصحبة ابن عمه هجرس لزيارة اخته والسلام على زوجها فوافق الأب على ذلك! وأضاف سنلحق بكما انا وامك !
طرقا الباب فخرج اليهما عمران ورحب بهما و ادخلهما غرفة الضيوف فوجدا شخصين هناك : نظر هجرس الى صافي وأشار اليه ان يجلس قربه واخذا يتهامسان : همس هجرس قائلا :" أرأيت ، ادخل ستجد اختك قد تهيئت للبيع شرفها "!
نهض صافي بحجة انه يريد الحمام ، لكنه دلف الى داخل البيت فوجد اخته تعد القهوة للضيوف فسالها بغضب :" من هذين الغريبين وماذا يفعلان هنا، فقالت : ”هما زميلا عمران وسيشربان القهوة ويمضيان في سبيلهما الى القرية المجاورة ، فقد احضرا عمران بسيارتهما و دعاهما لتناول العشاء والقهوة ثم يمضيا ‘فقال صافي : يعني لن يناما هنا ! فقالت : لا لن يناما ! لماذا انت عصبي المزاج!! اطمئن وابعد الأفكار التي زرعها هجرس في رأسك "!
فقال صافي بدهشة :" ماذا تقصدين ؟" قالت :"قصدي سأوضحه لك بعد ان يغادر الضيوف وهجرس . فقط قل له أنك ستنام عندنا ودعه يغادر وحده !"
وبعد ان تناول الضيفان العشاء والقهوة انطلقا في سيارتهما مودعين عمران وصافي وهجرس , همس صافي في اذن هجرس: لا تصدق انهما غادرا بل سيعودان لذلك قررت ان انام ههنا حتى أتأكد مما سيجري ! فقال هجرس :" نعم الرأي"
غادر هجرس والشكوك تراوده : "هل سيبوح صافي بالسر وهل سيعود الضيفان الى بيت كوكب"
ندم ندما شديدا على تركه صافي هناك !
بعد مغادرة هجرس : جلس صافي وعمران لوحدهما في غرفة الضيوف ، فقال عمران :" دعني اكلمك اخا لا صهرا : فانت عزيز لدي واحب ان تكون في القمة وقائدا لا مقودا"، فقال صافي : "هذا أمليفيك لكن يبدوا ان وراء الأكمة ما وراءها، هات ما عندك." فقال عمران بصراحة : "انا لا احب هجرس هذا ولا اطيقه ثانية واحدة ولا اريده ان يدخل بيتي أبدا!" فقال صافي :" له.. له لماذا؟ ماذا فعل؟ "
فقال عمران : ماذا فعل؟ : إسال اختك : يا كوكب سمعيه ما الذي جرى ، هات آلة التسجيل وسمعيه الحقيقة!"
احضرت كوكب آلة التسجيل وادارتها :
سمع صوت هجرس :" يا بت عمي اريد ان اشرب كوب شاي عندك ففد كنت مارا واحببت الاطمئنان عليك"!
فقالت كوكب :" تكرم البيت بيتك فانت بمثابة اخي"... وبعد قليل احضرت الشاي على صينية معدنبة وسمع طقطقة الكاسات ورنين ملعقة فوق صينيه معدنية
سمع صوت هجرس وهو يرشف الشاي كانه بغل يعب الماء عطشانا ومع كل رشفة يرشفها صدر صوت خشخشة افعى في هشيم يابس ثم عندما يبتلع الشاي يصدر صوت همجيا مقرفا : إححح إححح"
وبعد قليل قالت كوكب :" لماذا تحدق بي هكذا كأنك اول مرة تراني ، انت شربت الشاي الله معاك يا اخي
هيا انصرف بامان الله فديننا لا يسمح بالخلوة ... مع السلامة " فقال هجرس :" بصراحة اريد ان أتكلم معك بصراحة : لقد ظلمك ابوك عندما زوجك لعمران السخلة فهو لا يستأهلك ، لقد فضله ابوك عليّ أنه ابن اخته " رقيه" فهي التي ربته !
فقالت كوكب :"إن كنت انت خيرا من زوجي فتصرف تصرف الرجال الذين لا يعرفون البوق و الغدر!
هيا انصرف "
فقال هجرس : طاعقلي يا بنت العم و لبي طلبي ! "
فقالت :"خسئت إن عرضي هو عرض زوجي , وان كنت انت مصر عل انتهاك عرضه في غيابه فعرضه امانة في عنقي ، فانتظر حتى يعود وانا اخبره بما تريد فإن سمح بذلك فلبيك عندئذ! إن سمح صاحب الأمانة " .. ثم صفقت الباب وعادت وصفقت الباب مرة أخرى : فصاح هجرس: "ما هذا ... بندقية ! فقالت كوكب ،: هيا اخرج وانقلع من هنا قبل ان افجر راسك "... فقال هجرس بصوت مرتجف :" دخيلك ... دخيلك لا تطلقي النار انا منقلع حالا وخرج يجري هاربا!
صعق ناصر وقال : استغفر الله العظيم: هذا الانسان كاد ان يرميني في داهية ... وهنا سمع عند نافذة المنزل الغربية صراخ شخص يتألم : النجدة النجدة هرع عمران وصافي وام صافي وأبو صلفي بعد ان اشعلت كوكب الانوار الخلفية للمنزل : وعندما وصلا الى الشخص وجداه قد وقع في فخ الحنازير وسال الدم غزيرا من قدمه العالق : واخ يصيح انقذوني : لكن كوكب احضرت المعزق الحديي بعصاه اتلطويل فناهالت علر اسه ضربا ثم حرثت ظهره حراثا حت وقالت : الكلب العقور لا علاج له الا الطخ ... ولا يحيق امكر السيء الا باهله!
وقال عمران: احضري المسجل واسمعيه للناس ووالديك وباقي الناس واسمعيه لهذا الخنزير ، لقد نصبنا لك فخ خنزير لأنك انت الخنزير الحقيقي وبعد ساعة وصلت سيارة الإسعاف .
افادت التحقيقات، ان هجرس اعتاد ان يأتي الى البيت كل ليلة يصدر عواء كعواء الذئب ويدق عل النافذة الغربية حيث نصب عمران فخ الخنازير إذ توقع هجرس قدومه وصدق الله العظيم إذ قال في محكم كتابه العزيز:" ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله”