انتقام ووئام

mainThumb

17-09-2022 06:34 PM

جلست العجوز " ام الهجرس" وصديقة عمرها " ام الضيغم" في ضوء القمر الذي ارسل اشعته الفضية منيرا المكان . هبت نسمات عليلة فانعشت أوراق الشجر التي اهتزت اهتزازا خفيفا وبدد عواء ثعلب الصمت في ذاك المكان ! فسالت ام الهجرس أتسمعين عواء الثعلب؟ أجابت ام الضيغم : نعم اسمعه جيدا فعواؤه قد أثار مكامن مكري انا يراودني هم كبير : لقد مضى زمن طويل والبلدة رغم عدد سكانها الكبير لم تقع فيها اية مشكلة فالأمور تسير سلسة دون قلاقل وهذا امر لا يروق لي ... صحيح اننا قد اصابنا الكبر بالخمول والكسل ، فانا لم أُثر اية مشكلة او فتنة بين الناس في الاسبوعين الماضيين ... ثم صمتت علها تسمع تعليقا يروق لها من قرينتها ام الهجرس ... ثم قالت ام الهجرس ... يبدو ان شيطانك قد أصابه الخمول فلم يعد يوحي لك زخرف القول ... هيا فكري معي فيمن نبدأ.... علينا ان نبدأ بالأسر الشابة حديثة عهد بالزواج ... انا اقترح أن تشتتي شمل عائلة الشاب أحمد الذي تزوج منذ شهرين ولم نسمع أي مشكلة في بيته ! هيا شتتي شمل هذه الاسرة الفتية الوادعة! قالت ام الضيغم " لم تريدين خراب بيت هذا الشاب دون غيره؟
أجابت ام الهجرس : يبدو انك تستغفليني كأنك لا تعلمين السبب، انسيت ان اباه كان حبيبي لسنين عديدة فقد علمت الفتيات من اترابي في السهل والجبل انه حبيبي، وفي لقاء معه في الغرفة التي كان ساكن فيها لوحده عندما كنت ادرس في كلية البنات ... التقيته مرات عدبدة و تبادلنا القبلات واحاديث الهوى والغرام ، وفي يوم من الأيام كنا نتجاذب أأطرف الحديث فخرجت مني عبارة :" انا لا يهمني من اتزوج ، فانا اريد زوجا حتى وإن كان حمارا"، فعندها قطع الحديث معي وطردني ولم التقيه منذ ذلك الحين وانا اليوم بعد هذه السينين الطويلة لم انس الإهانة تلك وأود ان اخرب بيته وبيت ذريته تحديدا بيت ابنه هذا... هيا لنعكر صفوه وصفو عيش ذريته ... ساعديني في ذلك
قالت ام الضيغم : لا توصي حريصا .... فقط دقي الطبل وانا ارقص!
" انا لا اريد خراب البيت ... لكن سأعكر صفوهم.. فالطلق الذي لا يصيبك يسطلك !. سأجعله يطلق زوجته ثم يعيدها في يوم واحد !"
لنذهب معا غدا عند الضحى الى محله التجاري الذي يبيع فيه الاقمشة ...
في ضحى اليوم التالي تهادت العجوزان مزججات حواجبهن كأنها خطت بقلم خطيب ، كانت كل واحدة تتوكأ على باكورة وقد اعتمرت كل واحدة منهما عصبة تعلوها عرجة ذهبية ... وصلتا المحل . والقيتا السلام على الشاب احمد ... فاستقبلهما بحفاوة وابتهاج . جلستا عند طاولة قريبة من منضدة البيع : فقالت ام " الضيغم" : يا بني يا أحمد .. اريد ان اكلمك على انفراد ... نهضت العجوز. واتجهت نحو زاوية في المحل فتبعها احمد فقال :" خيرا ان شاء الله ؟ فقالت العجوز :" خير , يا بني اريد ان اطلعك على سر فهل عندك للسر مكان "؟ فقال احمد:" يا حاجة انت تعرفيني ... سرك في بير عميق" !
قالت: "يا بني ابني عاشق ويريد ان يهدي محبوبته قطعة قماش فاخرة ... اريد منك قطعة قماش فاخرة كي يرسلها ابني الى من قد سكنت قلبه ووجدانه ... فهو مسكون بطيفها رغم انها قد تزوجت وذهبت في سبيل حالها لكنه متيم بها لا ينساها فطيفها يطارده في كل حين وآنا اخشى عليه من الجنون، اخشى ان يكون مجنون الحب في هذا العصر فهو كمجانين الحب السابقين ... يا لوعة قلبي عليه والله اني قلبي ليتفطر حين اراه شارد الذهن يهذي باسمها لاعنا الجعلان" الذي تزوجته!.. اسمعه يابني يهذي وبغني
لو إن ربي ما بلاني بهوى عيدة
ولا ضحكت بالثنايا الريهفاتي
الحواجب خط القلم بيد الخطيب
والثنايا هلت بروديه
. فقال الشاب الله يهديه ويعافيه!
خديء من روعك يا حجة وربنا يعينك ويصلح نواياكِ ،
تفضلي استريحي وانا س اختار لك قماشا رائعا يليق بمقام نجلك !”
جلست العجوز بجانب الطاولة وقد اشعلت سيجارة " هيشي" ! قص الشاب القماش وطبقه ووضع قطعة القماش على الطاولة بجانب العجوز. وبحركة خفية وضعت العجوز راس السيجارة المشتعل على طرف القماش فعلقت به النار فصدر عنه خيط من الدخان دقيق فقال الشاب منبها العجوز: "يا حاجة السيجارة حرقت القماش"! فقالت العجوز :" لعن الله الشيطان ! لقد سهوت فوضعت السيجارة فحرقت القماش لكن الامر بسيط فالحرق في طرف القماش فسيذهب اثره عند التفصيل !
خرجت العجوزان من الدكان في هاجرة النهار والحر الشديد ,,, وعند اقترابهما من بيت أحمد قررت ام الضيغم ان تعرج على البيت وتشرب الماء كي تطفئ عطشها ... قرعت جرس البوابة الرئيسة فهرعت هدى زوجة احمد سائلة من الطارق، فأجابت العجوز " انا ام الضيغم ومعي خالتك ام الهجرس ....الجو حار ونريد أن نرتاح قليلا عندك
فتحت هدى الباب مرحبة بالضيفتين ولم تدر انها كانت ترحب بالشر
قدمت الماء البارد و القهو لهما ثم غادرتا البيت شاكرتين هدى على كرم الضيافة ... ا دخلت هدى غرفة الضيوف شاهدت قطعة القماش فوق الطاولة فقالت في نفسها "لقد نسيتا قطعة القماش وستعودان لأخذها " .. مضى الوقت ودقت الساعة الواحدة بعد الظهر .. موعد إياب زوجها لاستراحة القيلولة .... عاد الزوج مجهدا من الحر نزقا ...
دخل غرفة الضيوف فشاهد صرة على الطاولة ... ففتحها فوجد فيها قماشا ,,, دقق فيها فوجد انها قطعة القماش التي اشرتها ام الضيغم .... وجن جنونه عندما تحقق منها عند ادراكه اثر الحريق في طرفها ... خرج الى غرفة النوم حيث زوجته ... تقدم منها فابتسمت متوقعة موقفا حميميا لكنه صفعها صفعة قوية أطاحت بها ارضا والحق الصفعة شتائم نابية طالبا منها ان تغادر الى بيت أهلها ... خرجت والدموع تنهمر على وجنتيها شلال ويل وثبور ....
كانت العجوزان ترقبان بيت احمد فشاهدتا هدى وهي تبكي متجهة الى بيت أهلها ... فقالت ام الهجرس ... انت خربتي بيت البنت تلك! فقالت ام الضيغم ... لا ردها الله ... انتظري لما بعد العصر عندما يعود احمد الى دكانه ....
وفي المساء قبيل الغروب انحدرت ام الضيغم متهادية في طريقها الى دكان أحمد ... كان احمد ساهم الطرف شارد النظرات ... القت السلام عليه فلم يجب ! لقد كان شارد الذهن مصدوما بما حدث ... دقت العجوز بباكورتها على الباب الحديدي ... فانتبه احمد ... فقالت : "اسم الله عليك يا بني ليش شارد الذهن؟ .. سلمت عليك فلم تسمعني ... يا بني اعذرني على الازعاج : اليوم الظهر لما اشتريت القماش من عندك انا وام الهجرس وفي طريق العودة اشتد الحر فعطشنا فعرجنا على بيتك واسترحنا هناك وما قصرت معنا عروستك ما شاء الله عنها ... الله يخليكم لبعض, لكن انا نسيت قطعة القماش التي اشريتها على الطاولة في غرفة الضيوف ..."
فقال احمد وقد غمرته موجة ندم :: انسيتها حقا؟ الله يلعن الشيطان ... انت خربتي بيتي .. انت قلت لي القماش لعشيقة ابنك ! فلما وجدت قطعة القماش عندنا حسبت ان زوجتي هي عشيقة ابنك فطردتها الى بيت أهلها ...
لطمت العجوز خديها مرا ت متتالية قائلة : ويلي من الله.... توكل على الله يا بني انا سأعيد الأمور الى مجاريها ... هيا اغلق دكانك واذهب معي الى بيت اهل زوجتك!
أغاق الشاب دكانه واستدعت ام الضيغم اختها ام الهجرس وذهبوا جميعا الى بيت اهل هدى زوجة احمد.
شرحت العجوز الموقف لأهل هدى ورجتهم ان يسامحوا احمد ،فسامحوه كي يحافظوا على بيت ابنتهم ولا يدعوا للشيطان سبيلا عليهمٍ
عادت الفتاة مع زوجها الذي عض أصابع الندم على تسرعه لكن الشك اخذ يضرب جذوره في اعماقه فسوس له الشيطان ان العجوز غير صادقة وان ابنها هو فعلا عشيق زوجته,
فلما وصلا البيت احضر نسخة من القرآن الكريم وطلب من زوجته ان تقسم انه ليس لها اية علاقة تربطها بابن ام الضيغم ، فضحكت هدى : قائلة جسم البغال واحلام العصافير : ام الضيغم عجوز لم تتزوج في حياتها وليس لها أبناء ولا بنات !
نظر احمد الى هدى مندهشا قائلا : الصحيح ما تقولين ! فعلا هي ليس لها أبناء ولا بنات
سكبت هدى كوب ماء بارد على وجه زوجهاٍ قائلة افق من غفلتك : انا لن اصالحك الا في مكة المكرمة بعد ان نؤدي العمرة هناك!
فاخذ احمد يردد " ومكر أولئك يبور"ٍ

حدث كل ذلك وام الضيغم صامته تتابع مايدور برضى واعجاب !



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد