علاج الشلل النفسي

mainThumb

22-09-2022 10:38 AM

عاشت الحاجة "طانة" في بداية النصف الثاني من القرن العشرين في قرية " مراح النمر" بعيدا عن ضوضاء المدن حيث كان المجتمع من حولها ريفيا كبار السن فيه هم يقودون المجتمع ويسيطرون عليه فهم اهل الحل والعقد فهم اهل قرارات الزواج والطلاق . كانت الحاجة طانة اما لسبعة أبناء وعدد احفادها وحفيداتها يتجاوز السبعين نفرا ، ولم يتزوج احد الا برضاها وموافقتها!
كان للعجوز هيمنة على زوجات أبنائها فهي الامرة الناهية تتدخل في كل تفاصيل الحياة السرية والعلنية لبنيها و زوجاتهم .... وكان لديها سبعة مطاريق رمان واحد لكل واحدة ان لزم التأديب!
وفي يو م تلاسنت وزوجة ابنها " غادي" فلما عاد الى البيت شكت طانة لابنها ما جرى فقال لها محتدا : الان انا اعرف شغلي معها، فانتهر زوجته وادخلها غرفة النوم حيث ادبها بعلاج لا يروق للعجوز بل يزيد حقدها استعارا ، تمت عملية التأديب التي لم ترق للعجوز وخرج الزوجان يضحكان فأدركت العجوز ان حركة تمرد قد تطيح بعرشها فيهلك عنها سلطانها! . كانت تلك الحادثة نذير انقلاب شديد في حياتها .
ذات يوم عاد سويلم احد أبنائها من الحقل متعبا فدخل البيت متهالكا فنام قبل ان يمر بالحاجة طانة ويقدم لها تقريرا يوميا . استراح الرجل مدة ساعتين ولما افاق من نومه دعي زوجته وبنته الكبرى " ساجدة" واخذ يتحدث معهما بصوت منخفض !
سأل ابنته ساجدة: ما رايك في ابن خالك حامد! فتبسمت الفتاة واجابت انه شاب طيب الاخلاق شهم فقال الأب : "قطعنا نصف الطريق ." فقالت الزوجة: وضّح كلامك ما قصدك فقال يا بنيتي يا ساجدة : أحببت ان اعرف رايك فيه قبل ان أوافق على زواجك منه ، فاليوم كلمني خالك ناجي وقال لي ان ابنه حامد يرغب في الزواج منك ! تبسمت الفتاة بخجل فقال ابوها: ابتسامتك توحي انك موافقة ! فقالت أمها : المسالة لا تحتاج لكل هذا النقاش فحامد شاب معروف للجميع عيبه الوحيد ان معايبه يمكن ان تحصى وانت تعرف كفى بالمرء نبلا ان تعد معايبه فهو شاب كامل الاوصاف قادر على تحمل المسؤولية وانا أرى ان توافق على زواجه من ساجدة فهي لن تجد شابا خيرا منه ، ام ان لك رأيا آخر يا ساجدة ! قالت ساجدة انا بنتكما والامر لكما والشاب طيب الصيت ! لكن القول ماقالت " طانة" فهي التي تقرر ! تدخل الاب :" لا تكملي لو اني اردت رأي طانة لبحثت معها الامر أولا ... لقد ورطتنا واخوتي بقراراتها الخاطئة السابقة ... امر الزواج يقرره اهل الشأن : العروس والعريس لا الجد والجدة! انا موافق ومطلوب مني ان ارد جوابا لوالده هذا المساء ... فاكتما الامر لا تخبرا احدا لا الحاجة طانه ولا زوجها جدك طعيج!
وفي المساء دلف سويلم من المنزل الكبير واتجه الى بيت " ناجي" والتقاه و ابلغه ان الفتاة موافقة على الزواج ,.سر ناجي وقال له ان عقد القران سيكون مساء الخميس القادم !
سارت الأمور بسرية تامة وحان موعد كتب الكتاب ،و بعد الظهيرة أقيم سرادق امام البيت الكبير فدهشت العجوز " طانة" سائلة ابنها سويلم الذي كان يشرف على اقامة السرادق فقال : لها : عقبال الباقين من الشباب والشابات اليوم كتب كتاب بنتي" ساجدة" !
فقالت : كيف وعلى مين؟ قال على حامد ابن خالها ناجي؟ نزل الخبر نزول الصاعقة على رأس العجوز فقالت : لماذا لم تخبرني ! فقال سويلم : الأمر تم والحمد لله فالبنت موافقة وامها وأنا موافق . وما أحببت ان اقلقك بهذا الموضوع!
صمتت العجوز صمت شواهد القبور ودارت بها الأرض وطاحت أرضا فهرع اليها عدد من احفادها : لقد كانت في حالة إغماء فسكبوا على وجهها الماء البارد ، حاولوا رفعها على قدميها . كانت كلوح خشبي لا تتكلم ولا تتحرك ، أصيبت بشلل رباعي ، فذراعيها وقدميها لا حراك فيهما ، نقلوها الى داخل البيت واحضروا طبيبا كشف عليها فقال يجب نقلها الى المستشفى . احضرت سيارة اسعاف وتم نقلها الى المستشفى حيث أجريت لها الفحوصات اللازمة واخذت لها صور الاشعة . وكتب تقرير مفصل عن حالتها خلاصته انها مصابة بشلل رباعي !
تم شراء كرسي متحرك لها و أعيدت الى البيت.
كانت تجلس على الكرسي ساعات طويلة ثم يحملها بنوها ويضعونها في سريرها ... وأجريت لها متابعات علاجية عديدة دامت شهورا طويلة دون تحسن ! وفي يوم من الأيام راجعت طبيبا خاصا : كان الطبيب شابا مارس الطب حديثا لكنه بعد دراسة تاريخها المرضي والاطلاع على سيرتها العلاجية ، والبحث في سيرتها الاجتماعية فقد توصل الى انها امرأة تحب السيطرة كانت القرارات الخاصة بالعائلة الممتدة صادرة عنها دائما ماعدا قرار زواج حفيدتها " ساجدة" فادرك ان الشلل الذي تعاني منه شللا نفسيا فقرر ان يغامر ويجرب معها العلاج النفسي !
خلا بابنها سويلم وقال له : "الليلة ستمشي الحاجة على قدميها فالعلاج سيتم عندكم في البيت ان شاء الله . لكن عند الساعة الثامنة ليلا أملأوا حوض الحمام بالماء تماما!
أعيدت العجوز الى البيت !
وفي المساء حضر الطبيب " مساعد "لقد كان شابا وسيما مفتول العضلات قوي البنية ، ثم طلب من سويلم واخيه ان يحضرا العجوز على نقالة ثم يدخلانها الحمام حيث يكون هو بانتظارهما.
أدخلت العجوز على النقالة ووضعت النقالة على ارضية الحمام فطلب الطبيب منهما أن يحملاها ويضعاها في حوض الماء وينتظرا عند الباب ، حملت العجوز ووضعت في حوض الماء فقفز الطبيب ممسكا بعنقها قائلا الان جاءت نهايتك اليوم ستموتين غرقا، احست العجوز بالماء البارد يغمرها وبيد قوية تحاول اغراقها في الماء فانتفضت بقوة وصرخت "لا..لا " ونهضت مسرعة تعدو خارجة من حوض الماء ، واخذت تصيح وتكيل الشتائم للطبيب ولبنيها ، لقد شفيت تماما فأصبحت تتكلم وتمشي وتحرك يديها ورجليها فقال ابنها : حقا من القمع ٍما أصاب بالشلل!


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد