فقه الزكاة والنظام المالي المعاصر

mainThumb

23-10-2022 12:22 PM

فقه الزكاة فقه واسع، وفيه من الاختلاف الفقهي ما يعد ميدانا واسعا للتفكر والتأمل في أقوال و مناهج الفقهاء وأدلتهم، وهو يفتح آفاقا اجتهادية تطبيقية جديدة ومفيدة.
الاختلاف الفقهي في الزكاة هو اختلاف قديم جدبد، كان قد احدث مدارس فقهية تتراوح بين التضييق في فقه الزكاة والتوسع فيه ، فطال المجمل والمفصل، وطال الأموال التي تجب فيها الزكاة، ومن حيث نصاب المال كي تجب فيه، والنسب الواجبة، ووقت الوجوب، والمكلف الذي تجب عليه الزكاة، وشروط الوجوب.
وفي الفقه المعاصر بذل الفقهاء جهدهم واجتهادهم في التوسع في وعاء الزكاة وذلك من اجل مواكبة التطور الحاصل اشكال المال والدخل والثروة، هذا التطور الذي افرز الكثير من الأموال التي لم تكن معروفة في عهد النبوة.
هذه المواكبة فتحت باب الاجتهاد وباب التوسع في فقه الزكاة، فتوسع الفقهاء في اجتهادهم معتمدين على معيار نماء المال، ومستندين إلى قياس الأموال المستجدة على الأموال الأصلية الواجب فيها الزكاة، وذلك بناء على علة الحكم الراجحة لديهم غالبا.
واخذ التوسع في فقه الزكاة يطال كل شيء فيها، فمن الوعاء إلى النصاب إلى المقدار الواجب، ثم إلى مصارفها، إذ اختلف الفقهاء في نسب التوزيع على تلك المصارف وتوسع بعض المعاصرين في مفهومها، فتوسع البعض في مفهوم سهم في سبيل الله، وسهم ابن السبيل، كما توسع الأمر ليشمل القول بجواز استثمار أموال الزكاة.
طبعا كل هذا التوسع ليس محل إجماع بين العلماء، ولكن تبناه جمهور من اهل العلم، فصارت الفتوى عليه في العادة، و هو المعمول به غالبا عند الناس.
اما الدول والحكومات فانها تركت الزكاة دون قانون يحكمها، وتركت أمر اخراجها للمكلفين على وجه الاختيار، وبذلت جهودها في نظم تشربعات مالية تخص مواردها الاخرى كالضرائب والرسوم وغيرها.
قلت ما دام فقه الزكاة استوعب كل هذا التوسع والتنوع فيه، فلما لا يعاد النظر فيه من قبل علماء ثقات وبرعابة رسمية، بحيث يصاغ بما يناسب طبيعة النظام المالي المعاصر في كل دولة، وبما يضمن تنظيم الزكاة من حيث جبايتها وتوزيعها تحت رعاية الدولة. وكذلك بما يضمن عدم ازدواجية التكليفات المالية للمواطنين ويخرجهم كمكلفين من حالة الحيرة الناجمة عن تداخل التكاليف المالية المترتبة عليهم، ويشعرهم براحة الضمير عند دفع تلك الواجبات دون ضيق وحرج.
فالزكاة تحتاج الى تنظيم يضمن جبايتها بشكل أمثل ووصولها إلى مستحقيها بشكل أعدل وافضل.
إن الاختلاف والتوسع في فقه الزكاة هو اختلاف قديم ومعاصر، وهو يفتح لنا المجال للاجتهاد في تنظيم الزكاة وادراجها في النظام المالي المعاصر، بما يضمن تفعيل دورها في الاقتصاد والمجتمع ويسهم في تحقيق مقاصدها الشرعية. فالزكاة وإن كانت فريضة واجبة مقدسة، فإن الفقه الخاص بها في غالبه هو غير توقيفي، و يعد اجتهادا علميا بشريا غير مقدس، وهو قابل للتغير والتبدل والتطور، بحسب ما تقتضية المصلحة العليا للامة، وضمن ضوابط الاجتهاد.
إن ما ادعو اليه في هذا المقال هو من باب التجديد في الاجتهاد الذي سبق اليه ثقات من العلماء، وهو دعوة إلى تفغيل فقه الواقع، والنظر الى تحقيق المقاصد بشكل يظهر في حياة الناس.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد