هل أُسدل الستار على معركة الحجاب في تركيا

mainThumb

24-10-2022 12:30 PM

بين عامي 1923-1938، كانت المحاولات تجري بشكل متواصل لقطع صلة الأتراك بهويتهم الحضارية الإسلامية لإلحاق المجتمع بركب الغرب والانسجام مع المظاهر الاجتماعية السائدة فيه، باعتباره النموذج الحضاري المنشود، كان من بين تلك المظاهر التي حاربها المؤسس مصطفى كمال أتاتورك: حجاب المرأة، الذي كان يلقى عنتا وتعسفا وتضييقا على ارتدائه من قبل السلطة.
وظلت المؤسسة العسكرية التي أسسها أتاتورك، تسير على خطاه، وتقف موقفا عدائيا من الحجاب، باعتباره مظهرا إسلاميا يهدد الأسس العلمانية التي قامت عليه الجمهورية التركية على يد أتاتورك، ومن بين هذه الفصول، انقلاب الجنرال كنعان إيفرين في سبتمبر/أيلول 1980، الذي تم منع المحجبات من دخول جميع المؤسسات الحكومية والتعليمية، بشكل رسمي قانوني، الأمر الذي جعل أكثر من أربعين ألف طالبة، يكملن تعليمهن في أمريكا وأوروبا. وعلى الصعيد السياسي والحزبي، وقف حزب الشعب الجمهوري الوريث التاريخي والشرعي لتركة مصطفى كمال أتاتورك، الموقف المهاجم للحجاب ذاته للهدف ذاته، وهو منع أي تهديدات تخل بالأسس العلمانية التي أقام عليها أتاتورك الجمهورية الجديدة. وبعد مجيء حزب العدالة والتنمية ذي الجذور الإسلامية إلى سدة الحكم في 2002، لم يصطدم مع الجيش والقوى العلمانية في قضية الحجاب، استفادةً من تجارب الماضي، حتى لا يمنح الطرف الآخر فرصة الانقضاض، لدرجة أن رئيس الوزراء حينها رجب طيب أردوغان، اضطر لأن تستأنف ابنته تعليمها في الخارج، حتى لا تخلع حجابها، كما أن قرينته أمينة أردوغان، مُنعت في تلك الفترة من دخول مركز «بيلكنت» الصحي التابع للجيش، بهدف زيارة مريض، نظرا لأنها محجبة، وهي زوجة رئيس الحكومة. وعندما مرر الحزب عام 2008 مشروع قانون في البرلمان يسمح بارتداء الحجاب، نجح العلمانيون عبر المحكمة الدستورية العليا في إبطال مفعوله، رغم أن الرئيس عبد الله غل صدّق عليه آنذاك.
استطاع أردوغان إعادة حق ارتداء الحجاب تدريجيا، في إطار الحريات الدينية والشخصية، التي من المفترض أن يكفلها الدستور، من خلال سياسة النفس الطويل في المعارك القضائية، والاستفادة من ازدياد رقعة المحافظين في تركيا، واستنادا إلى الإنجازات التي زادت من شعبية الحزب، أعلن أردوغان في 2013 إنهاء الحظر المفروض على ارتداء الحجاب في المؤسسات الحكومية، في إطار مجموعة من الإصلاحات المتعلقة بحقوق الإنسان. وبعد حوالي قرنٍ من الزمان من العمل على إقصاء الحجاب من وجه الحياة التركية، وفي هذا الشهر الجاري تحديدا، تعود قضية الحجاب لتصدر المشهد السياسي الداخلي في تركيا، بعد إعلان زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كليتشدار أوغلو، اعتزام حزبه تقديم مشروع قانون إلى البرلمان، يضمن قانونية وضع الحجاب.
كليتشدار أوغلو هو نفسه الذي قدم شكوى إلى المحكمة الدستورية العليا عام 2008 لحل حزب العدالة والتنمية، الذي مرر في البرلمان قانون السماح بالحجاب في الجامعات، بحجة الإضرار بعلمانية الدولة التركية، هو نفسه الذي يقدم مقترحا لإيجاد وضع قانوني لحماية الحجاب. وفي مطلع العام الجاري، قدّم اعتذاره عن الحزب للحجاب، واعترف أن من أخطاء حزبه جعْل الحجاب على رأس أولوياته. قطعا الأمر لا يمكن فهمه واستيعابه بمعزل عن الظرف السياسي، فهذا التصريح يأتي مع اقتراب الانتخابات العامة في تركيا، ورغبة الحزب في استقطاب المحافظين. لكن الأهم هنا، هو دلالة الحدث، فهو دليل واضح على ازدياد قوة الحجاب في تركيا، وإعلان انتصاره، بما يجعله أداة يستقطب بها من كانوا يعارضونه في السابق، شريحة عظمى من المجتمع الذي يزيد النساء المحجبات فيه عن نصف تعداد الإناث، بل تشير بعض التقارير إلى أن نسبة المحجبات تربو على 60% من النساء، ومن ثم أسالَ الحجاب لعاب السياسيين الذين يطمحون إلى الفوز في الانتخابات، خاصة حزب الشعب، الذي يواجه سؤالا في حملاته الانتخابية من قبل الناخبين: «هل ستعودون لحظر الحجاب»؟
لقد أصبحت عودة الحجاب أمرا واقعا في تركيا، بعد أن ظل أمداً طويلا ميدان معارك سياسية بين القوى الإسلامية، والعلمانيين، فالقوى الإسلامية تعتبر عودة الحجاب مصالحة بين المجتمع والدولة بعد عقود من محاربته، والقوى العلمانية ترى فيه أسلمة للدولة وتهديدا للأسس العلمانية التي قامت عليها الجمهورية. أردوغان بدوره الذي عرف عنه أنه محترف في اقتناص الفرص، استثمر تصريح رئيس حزب الشعب، في الذهاب بقضية الحجاب إلى المدى البعيد، حيث قدم أردوغان مقترحا يتضمن تعديلا دستوريا، وليس قانونيا، في البرلمان، وهي خطوة من شأنها أن تحرج كليتشدار أوغلو الذي مرر لغريمه أردوغان هدية، لدرجة أن أردوغان قال في حديث صحافي: «كليتشدار أوغلو مرر الكرة من دون أن يدري، وكان عليّ أن أسجل الهدف، لا يدرك أني قضيت حياتي مهاجما». ثم وجه أردوغان دعوته إلى كليتشدار أوغلو للعمل على إدراج مسألة الحجاب في دستور الدولة، وليس الاكتفاء باقتراح إصدار قانون يضمن عدم المساس بحرية ارتداء الحجاب، ليصبح شأنا دستوريا.
تصريحات رئيس حزب الشعب الجمهوري أثارت دهشة المسؤولين داخل حزبه، الذي يعتبر مناقشة قضية الحجاب مسألة بالغة الحساسية، وهناك حالة من الارتباك تسود أوساط الحزب، تخوفا من الدخول في سباق غير متكافئ مع حزب العدالة والتنمية في مجال قضية الحجاب.
ما يحدث في تركيا الآن بشأن قضية الحجاب، دلالة قاطعة على قوته في المجتمع التركي، وأنه قد أُسدل الستار على قضية إقصائه من الحياة التركية، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد