فيلم «زفيرة» الأخيرة

mainThumb

14-12-2022 01:05 AM

لم يعد محظوراً تواجد النساء من مختلف الأعمار في المباريات الرياضية المختلفة، وخاصة مباريات كرة القدم الاكثر شعبية…ولأنها كانت كذلك، اي أكثر شعبية كانت محظورة على النساء اجتماعيا وأخلاقيا وليس بمنع قانوني…لكن شيئا فشيئا بدأ ظهور النساء في ملاعب كرة القدم وبدأ الظهور يتسع ولاسيما في المباريات المصيرية… ويروي « الخصاصي سعيد» في منشور على صفحته على فايسبوك ملخصا الدخول التدريجي للنساء إلى الملاعب بطريقة مبسطة وبمثال واقعي: « حاليا ونحن في القرن الواحد والعشرين تمسك البعض من أمهات اللاعبين بحضورهن في مدرجات ملاعب مونديال قطر…فتقاطرت الاهداف في شباك الخصم…هذا هو الحدث الحالي بركتهن ورضاهن غطيا الملاعب التي لعب فيها منتخب الفريق الوطني المغربي وأثقل الخصوم أهدافا وتعادلاً وفوزاً وإقصاءً…في سبعينيات القرن الماضي كانت « المرأة المغربية لا تجرؤ على الاقتراب منها « أو الحضور للمباريات وهنا أتكلم (كما يقول) عن المجتمع التازي المحافظ آنذاك خلال أوج الجمعية الرياضية التازية…هذه الاخيرة أنجبت لاعبين كباراً…معظم الاحيان كانت تفوز في عقر دارها بمؤازرات إحدى أمهات اللاعبين في صفوف الفريق…وتجدها دائما مركنة على اليمين في داخل مدرج الملعب البلدي «بيت غلام تازة» مرتدية جلبابا نسائيا مغربيا محضا، من غطاء للرأس ولثام على الوجه وكانت معروفة باسم «زهرة نينيسا» والابن اللاعب المكنى «محمد لدهم» ليعطف رضاها وبركاتها على اللاعبين ككل». ويضيف صاحب المنشور: « وعلى ما سمعت آنذاك من العائلة أن الابن يحثها على حضور المباراة من أجل الفوز»…ويختتم منشوره بالترحم على «الأم الطيبة زهرة ننيس وجميع أموات المسلمين»…وليس أجمل من الصورة التي انتشرت على صفحات الفايسبوك وعلى نطاق واسع وهي صورة والدة اللاعب «سفيان بوفال» صورة تختزل مشاعر الاحترام والبر بالوالدين والدعاء بالخير وقلب الوالدات المفعم بالمحبة والتسامح والخير…كذلك والدة الركراكي التي تتابع المباراة على المباشر ويداها معلقتان بحبات المسبحة لتطلب من الله الفوز والسلامة « كيف لا يفوز المغرب ووالدة المدرب المغربي وليد الركراكي تسبّح طوال الـ 90 دقيقة» (من صفحة ليبرا بوز)…

بر الوالدين… بركات الأمهات والفوز … رسالة الأخلاق في مونديال قطر

وربما حضور النساء هو السبب وراء نجاح المباريات في العالم…وقد يكون سببا في غياب «البذاءة» والشتم من المدرجات كما يمكن قراءة هذا في منشور «طارق شعرة» « المفعول السحري لدور النساء في تشجيع المنتخب الوطني…من الواضح أن الانتصارات التي يحققها المنتخب الوطني بمونديال قطر…ساهم فيه الحضور النسائي بشكل بارز…سواء من خلال حضور أمهات اللاعبين، وجمهور كبير من النساء القادمات من المغرب أو من بلاد المهجر»…ويضيف صاحب المنشور عن حضور النساء المكثف والهائل لدعم المنتخب المغربي ولأول مرة « سواء بالملاعب في قطر أو من يحضرن في المقاهي أو الشوارع وفضاءات التشجيع… كل ذلك يشكل دعماً معنوياً وقوياً وأكبر محفز للاعبين لتحقيق المزيد من الانتصارات…لهذا ربما أنه من أسباب تفوق ونجاح الكرة الأوروبية في البرازيل والأرجنتين هو حضور النساء بشكل بارز في كل المقابلات سواء بالبطولات المحلية والمنافسات القارية والدولية…وما دام حضور الأمهات والفتيات الجميلات في تصاعد مستمر، فلا خوف على كرة القدم الوطنية…يحوّلن مقابلة كرة القدم إلى حفل وإلى عرس رياضي يتجملن ويتزين ويرتدين أجمل لباس، وأصواتهن الجميلة وزغاريدهن لها تأثير سحر كبير على اللاعبين… فمزيد من حضور المرأة والنساء والجميلات في كل الملاعب والفضاءات العمومية»…
في قراءة «متواضعة وتحليل بريء لمغاربة العالم بمونديال قطر» حسب ما جاء بمنشور «عزيز وهبي» رئيس مؤسسة جذور لمغاربة العالم « فعلا ما أظهروه رفقاء «زياش» من حب للوطن والجمهور المغربي هو راجع بالأساس إلى تلك المرأة المجاهدة المناضلة التي عانت وكابدت، صبرت واصطبرت، حتى وصلت وحققت فنجحت…والنموذج أمهات كل من «الصبيري» و»بوفال» و»حكيمي» و»زياش» وغيرهن من اللواتي أبرزن صراحة مدى قدرة وقوة المرأة المغربية الحقة الشريفة العفيفة الطاهرة المخلصة…والتي إن أعددتها…أعددت لك شعبا صالحا»…والمنشور جاء للإشادة بدور «مغاربة الشتات» كما سمّاهم، أي مغاربة المهجر ممن كما قال « تكفلوا بإدخال الفرحة والبهجة على مغاربة الداخل من خلال ما قدموه في فعاليات مونديال قطر 2022 عبر تأهلهم إلى الدور 16 «…وها هم الأسود يتأهلون للدور الربع نهائي بعد فوزهم على فريق «كريستيانو» البرتغالي…وما زال الفضل يعود للمناصرين من كل البلاد العربية …وخاصة الأمهات…هكذا انتشرت عبر منصات التواصل الاجتماعي صور «أمهات» يعانقن أولادهن بقلب الملعب بعد التأهل…أمهات «بالجلابة المغربية» بدون ألوان وبهرج…بقلوب دافئة محبة…فنقرأ على صفحة «طاية طاية» « ما يقدمه المنتخب الوطني حاليا في مونديال قطر يجب أن يدرس في مناهج التربية والتعليم المجتمعي…يجب أن يمرر إلى الجيل القادم من أجل بناء مجتمع وطني بكل ما تحمله الكلمة من معنى»…ونقرأ بهذا المنشور ايضا « من دواعي الفخر أن نرى أمهات وآباء هؤلاء المحاربين يشاركون أفراح الشعب على أرض الواقع…هذا درس أخلاقي للجميع…كيف لا والله بعزته وجلاله أوصى ببر الوالدين»…وفي ختام منشور «طاية طاية» نقرأ: « شكراً لكل محارب باسمه…أدخلتم روح الوطنية الحقيقية في قلوب الشعوب العربية قاطبة…وهنيئا للركراكي الذي فعل ما لم يقدر على فعله أحد من قبل…أنتم تستحقون كل الاحترام وكل التقدير…تبقى كرة القدم مجرد لعبة…لكن أنتم جعلتموها رسالة للعرب أجمعين»…اجتمع المغاربة، سكان المغرب العربي الكبير… والعرب على نجاحات كروية من ألفهم (أ) إلى يائهم…فرحة عارمة خارج كل الحسابات السياسوية الضيقة…ولا شيء غير الكرة قادر على فعل ذلك بكل روح رياضية وعنفوان التسامح عندما تبرز الهوية التي تتخطى القرية والجهة والمنطقة …فعلتها الرياضة وعجز عن فعلها التراث…في جمع شتات القلوب …والتراث، كما هو متناول عند المهتمين به في الدول المغاربية والعربية يكرس الهويات الضيقة الخانقة ويثير الحزازيات والحساسيات والقرح…ويقوي الأنوات (من الأنا) والنرجسيات…للأسف الشديد…

زفيرا الأخيرة…تتويجات في الخارج ومنع في الداخل

كتب سيناريو فيلم «زفيرة…الأميرة الأخيرة لمملكة الجزائر» «داميان أونوري» و»عديلة بن ديمراد» الممثلة ومنتجة الفيلم…الفيلم الذي شارك في مهرجان «البندقية» السينمائي لسنة 2022… وتوج في السعودية كما نقرا على موقع» الموعد اليومي» عن فوز الممثلة الجزائرية الفرنسية « عديلة بن ديمراد» بجائزة افضل ممثلة « في مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي في دورته الثانية، وذلك عن دورها في فيلم «الملكة الأخيرة»، وهو إنتاج مشترك جزائري فرنسي سعودي… وتناول هذا الفيلم، المنتج في 2021، حياة الملكة «زفيرا» في الجزائر العاصمة في القرن الـ16 إبان السنوات الأولى للوجود العثماني في الجزائر وإبان أيضا الغزو الإسباني للعديد من المدن الجزائرية، وهي فترة عرفت تحولات كبرى في تاريخ المدينة والجزائر ككل… الفيلم يبدأ بهدير المعارك وينتهي بعروج الحاكم يحمل الملكة زفيرا التي انتحرت بعدما فشلت في قتله»… بين المشهدين دراما أخّاذة في التفاصيل الثرية وفي تمثيل رائع من عديلة بن ديمراد وتصاميم ملابس وأدوات تاريخية وديكورات (رغم وضوح ضيق بعض أماكن التصوير الداخلية)… «الأخيرة» (أو «الملكة الأخيرة» كما عنوانه الأجنبي) فيلم ملحمي الإنتاج والحكاية… وبلغت ميزانية الفيلم مليوني دولار فقط، وبعض محدودية العناصر الإنتاجية تتبدّى في بعض المشاهد، لكنها لا تؤثر على النسيج كاملاً. بعض هذا المبلغ ورد من صندوق دعم «مهرجان البحر الأحمر» في جدة، والبعض الآخر من شركات أوروبية في مقدّمتها فرنسا…وتم تصويره في الأعوام الأخيرة وفي ظل جائحة كورونا بكل من الجزائر العاصمة (قلعة الجزائر وقصر رياس البحر- حصن 23) وكذا قلعة المشور بتلمسان» الفيلم شهد «انتقادات» من طرف المختصين في التاريخ…ومن هؤلاء الاستاذ « حسين بوبيدي « حيث كتب منشورا في بداية الكلام عن الفيلم» نقاش حول فيلم الملكة الاخيرة… أباطيل يجب أن تمحى من تاريخنا… انتحار زفيرة…
تقول الحكاية أن عروج بربروس رأى المدعوة زفيرا زوجة الشيخ سالم التومي شيخ قبيلة الثعالبة الغربية، وكبير أعيان مدينة الجزائر… وكانت زفيرا هذه أجمل نساء المدينة… فشغف بها عروج وعلق بها إلى حد الافتتان، فتحايل على زوجها، ولفق له تهمة الخيانة والتواطؤ مع الإسبان وأمر بخنقه في الحمام. وما فعل ذلك إلا ليتخلص منه وينفرد بزفيرا فيتزوج بها. ثم تقفز الحكاية عن بقية التفاصيل لتخبرنا لاحقا بأن عروج عرض عليها الزواج بعد مقتل زوجها الا انها رفضت ذلك وفاء منها لزوجها وكراهة لغدر عروج به… فما كان من هذا الأخير الا ان اكرهها على الزواج منه… وفي ليلة الزفاف انتحرت زفيرا بابتلاع السم…
هذه واحدة من خرافات التاريخ التي تلوث بها عقول العامة. والمؤسف اننا نجد ناسا من قومنا ممن يحسبون على الثقافة والفن والأدب يروجون لها على أنها حقيقة لا تشوبها شائبة… ولكننا عندما نضع هذه الخرافة في ميزان النقد والتمحيص، نجدها لا ترقى لأن توصف بأنها رواية تاريخية. فهي لا تعدو ان تكون حكاية مختلقة تروى في ليالي السمر»…وفي الملاحظات التي أوردها بشأن التاريخ الموثق المكتوب بأن مقتل « سالم التومي» كان بسبب تواطئه الفعلي مع الاسبان وذلك بوقوع بعض رسائله التي كان يتبادلها مع قائد قلعة «البنيون الاسباني»…وبعد اإصدار فتوى من علماء الجزائر الذين «أفتوا كلهم باستحقاقه للقتل»…و» اعتراف ابن سالم التومي وهو « يحيى بن سالم التومي» للاسبان مخاطبا الحاكم الاسباني بوهران المدعو «دولكوديت»…بعد لجوئه إليه قائلا بأن (والده انذبح من أجلكم)… و»حكاية زفيرا هذه على أهميتها…لم يرد ذكرها لا تلميحا ولا تصريحا في أي مصدر عربي أو عثماني أو أية وثيقة أرشيفية أو مراسلة رسمية»…كل هذه الحكاية «الملفقة» تسمعها وتقرأ عنها في موقع « Jow+ أو على بعض الصفحات المهووسة بأن لباس «البدرون» من اختراع «زفيرا»…الفيلم وإن كان ملحميا وتاريخيا في حدود…فإنه يمكن أن يغطي على المعرفة التاريخية ويزيد من عقد التاريخ واشكالياته…وأكيد أن منع عرضه من طرف وزارة الثقافة لا علاقة له بالتاريخ… ولوزارة الثقافة ربما حسابات أخرى.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد