نهاية مغفل

mainThumb

24-01-2023 02:07 PM

وأخيرا بعد رحلة استغرقت أكثر من عشرين ساعة وصلت الحافلة الى العمارة التي تقع غرب بيت الله الحرام مسافة مائتي متر على الأقل.

وزع موظفو الاستقبال مفاتيح الغرف على المعتمرين ومنهم مختار وزوجته وبناته الاثنتين! صعدوا في المصعد الى الدور الرابع غرفة رقم 403،كان في الغرفة أربعة اسرة وحمام،ومطبخ صغير للشاي والقهوة فحسب . استلقى مختار الذي كان في بداية العقد السابع من عمره على السرير وراح في سبات عميق ، وقبيل حلول صلاة المغرب ايقظته زوجته قائلة : هيا الى الحرم كي نؤدي العمرة بعد صلاة المغرب هناك. نهض وتوضأ ثم خرج، واتجه الجميع الى المصعد الذي كان صاعدا من القاعة الأرضية . توقف المصعد وكانت المفاجئة : انها هاجر التي عرفها منذ أيام الشباب . سلمت على العائلة وعرفوا منها انها تقيم مع زوجها في غرفة رقم 402المجاورة لهم ، لكن زوجها يحبذ ان يقضي معظم وقته في رحاب الحرم يصلي االصلوات الخمس في الحرم ويمضي الوقت بين الصلوات جالسا يقرا القران او طائفا بالبيت العتيق ثم يصلي ما تيسر له من النوافل !
استعرت النار في قلب مختار عندما رآها .... تذكر لحظات كثيرة قضاها معها فهم بالرجوع الى الغرفة كي يلتقي بها هناك في غياب العائلة في الحرم لكن زوجته حثته ان يمضي في سبيله الى الحرم . وصلوا بيت الله الحرام وقت اذان المغرب . بعد الصلاة ادوا شعائر العمرة . كانت النفس الامارة بالسوء تلح عليه ان يغادر الحرم كي يلتقي هاجر ويجدد الذي كان!
عادت العائلة عند منتصف الليل الى السكن ، وصعدوا الى الغرفة، كان مختار قلقا عصبي المزاج فقال : سأنزل احضر لكم طعاما وخرج. وفي صالة الاستقبال اتجه الى عامل السنترال طالبا ان يكلّم غرفة 202.
رن جرس الهاتف في غرفة 202 . سمع صوت هاجر على الطرف الاخر إذ كانت لوحدها في الغرفة فزوجها الان يتعبّد في الحرم ! اتفقا ان يلتقيا في غرفة مختار غدا بعد ذهاب عائلة مختار الى الحرم ..
وبات مختار ليلته يتقلب على جمر الغضا ، نسي انه قادم للعمرة لا للوقوع في الرذيلة ...
وقبيل الفجر نهضت زوجته والبنات ا وقلن له انهن سيمضين اليوم كله في الحرم .. فقالفي نفسه مبتهجا: خلا لك الجو فبيضي واصفري .... خرجت الزوجة والبنات وأوصلهن الى باب المصعد وعندما تأكد ان انهن قد نزلن في المصعد اسرع الى غرفته ونظر من النافذة الى حيث يقف الباص ... تأكد من صعودهن في الباص فاسرع طارقا باب غرفة202 . قال لهاجر خلا لك الجو هيا اسرعي! ما ان دخل في الغرفة حتى حضرت اليه ... تعانقا بشوق عناقا طويلا ....
فجأة دفعها بعيدا عنه صافعا وجهها بكف شديد فطاحت أرضا ثم انهال عليها ضربا: قائلا: الا يكفي انك دمرتني في اول حياتي وانت الان تدمرينها في آخرها انا جئت للعبادة وليس للزندقة ! واطبق على عنقها قائلا : اليوم ستلقين حتفك ... لماذا اوهمتني طوال عشر سينين وانا في زهرة شبابي انك كنت تحبينني حتى جعلتني الا افكر بامرأة غيرك لماذا غدرت لماذا سلمت نفسك للكثيرين الا انا؟.
أتذكرين عندما قلت لي : انت مريض نفسي عندما اردت تحديد لقاء معك فقلتِ نلتقي في بيت اخي في غيابه لكني رفضت !
أتظنين أنىأجهل تاريخك وافعالك المشينة ،اذ دأبت على لقاء اكثر من واحد في بيت اخيك! والان قولي لي لماذا أقدمت على كل مافعلتيه:
قالت اتركني واسمع:
انا لم احبك يوما ما، وانا جعلتك تأخذ اللمم مني لكن غيرك وصل الى اعماق اكثر و كل ذلك نكاية بك وبمن حولي اردت ان انتقم منك ومنهم لأني ادركت انه من السهلاستغفالك: لقد كانت علاقتي بك بموافقة اهلي فهم جعلوني طعما لاصطيادك من اجل ان يحرثوا عليك كل تلك السينين!
انت كنت مسرورا بالمرات التي التقينا بعيدا عنهم... لكني ادركت انك قصير البصر والبصيرة فلو كنت شخصا حصيفا لما وقعت في الفخ ! كنت احدّث صديقاتي اللواتي عرفنك قبلي انك تنوي ان تتزوجني وبحت لبعض منهن بان علاقة قوية تربطك بي ... لكن لم يكن عندك سيارة فلما تيقنت انك عقدت العزم على الزواج من زوجتك الحالية اخذت اشيع انك مريض نفسيا وانك لست طبيعيا لأنك ليس لديك سيارة! وانا لا احبذ الزواج من مغفل فلو كنت كيّسا لما وقعت في الفخ!
وعندما تزوجت انت وخفت ان يفوتني قطار العمر ،توجهت الى صديقي القديم الذي تعرف اسمه انت ، وطلبت منه اكثر من مرة ان يتقدم لخطبتي لكنه اخر مرة بصق في وجهي. ربما تظن انك افصح منه لكنه كان اكثر جرأة منك معي! كان يأخذ مني ما يريد عنوة اما انت فكنت ....
قال لها :انا حافظت عل شرفك طوال علاقتي بك فأناأجل من أن اغدر...
لقد حققت لك ما اردت .... لكنك انت في علاقتك مع غيري كنت كريمة معهم الى حد التفريط ...
قالت انت مسكين ... انا عاملتهم كذلك وذلك نكاية بك ونكاية باهلي... لقد استعملوني طُعْما وزوجوني خلاصا مني ومن همي ...
لكنكِ انطبق عليك المثل : تزوجتتا تنستر ساق الله أيام الفضيحة."
انا اعرف مخازيكِ كلها وعلاقتك مع ذاك الشخص قريب زوجك الذي كان يبذل كل جهده لتشويه صورتي أينما حل ... عندما رفضت لقائك في بيت اخيك عام 1986 دأبتِ على لقاء شخصين او ثلاثة هناك على مدى سنوات عديدة تحديدا من الكاتب المبجل لقد امتلأت حديقتك وحديقة اخيك بالأعشاب البرية التي جلبها اليها أولئك النفر . لكن لا تظني ان الله غافل عما يفعل المجرمون... انظري ملامح الزهر المسروق تجديه زهرا من حدائق الغير إذا كنت انت مكشوفة لي فمن باب أولى ان يكون أصحاب الحديقة عارفين مصدر النباتات فيها!
لكنها قالت له بلطف باكية : انا ما زلت احبك ولولم اكن احبك لما قدمت اليك فلم تعاملني بهذه القسوة ولفت ذراعيها حول عنقه واخذت تقبله حتى استسلم وكان الذي كان.
وبقيت في فراشه مكررة الذي كان مرات حتى فجر اليوم التالي ... سمع اذان الفجر وهو يعانقها لكنه لم يبال ومضى حتى كان الذي كان ... ندم ندما شديدا: جاءه الشيطان متمثلا في صورة قبيحة في مرآة المغسلة قائلايا مسكين أنت اضعف بني البشر... لقد دمرتك في اول حياتك وها هي اليوم تدعك لا دنيا ولا دين ... فما لذة العيش بعد كل ما جرى!
تفكر مختار : قصدت مكة ناويا التخلص من الاوزار وسأعود منها بكبيرة من الكبائر وبما اني من اهل النار فلأكمل معروفي واقضي على من دمرتني... لكنه نظر فلم يجدها ... سمع صفارات سيارات الإسعاف في باحة موقف السيارات امام العمارة ... نظر من النافذة فشاهد عددا من سيارات الإسعاف والنجدة
ادرك ان هاجر قد انتحرت:
لف شريط الذكريات في ذهنه فراىصورتها في خياله عندما التقى بها اول مرة وهي تحمل سطل ماء عل ر اسها ... كانت في السادسة عشرة من عمرها ... بطة في غاية الجمال تبادلا الابتسامات ومضى كل في سبيله ... راي المطر من النافذة فحاصره شتاء الذكريات القارص من كل مكان وابقى نافذة الذكريات مفتوحة الى سبل الماضي... تجمد جليد العمر فوق زجاج النافذة الضبابي فنفذ الى عالم الماضي عبر ستائر شبكية وشعر بألم يجتاح اوصاله فتخدرت انامله التي صفعها بها قبل ساعة وهي حية. تجمد الدم في عروقه وعم الألم جميع بدنه ونفذ الى أعماق الأعماق...
وجوه سافرة تتلاحق على مرآة ذاكرته...
بنى في تلك الأيام امالا عريضة راهاتزهو في لباس الزفاف الذي لم يتحقق تدافعت وجوه غريبة تمتطي خيول الزمان الماضي وتعدو في مفازة . نقّل بصره من وجه الى وجه باحثا عنها فلمح وجهها المغطى بالدم فوق نقالة سيارة الإسعاف لقد غادرت الدنيا تاركة له نار عذاب الضمير فقد جردته من دينه ودنياه ... حقاانه مغفل اسعد االشياطين وعلى رأسهم ابليس الذي ضربه ضربةواحدة هوت به وبها الى الدرك الأسفل من جهنم!
اسرع الى طاولة صغيرة عليها قلم ورزمة أوراق : كتب رسالة الى زوجته وبناته:
لقد اغوتني هاجر والان أنا في طريقي الى الدرك الأسفل من جهنم... صعد الى سطوح العمارة العالية : نظر الى الأسفل فراي انوار السيارات ولوّاحات اضواء سيارات الإسعاف كنقاط ضوء تلتمع من بعيد .... اغمض عينيه وقذف بنفسه فوق احد ى سيارات الإسعاف ... فارتطم بها وتناثر مخه في كل الاتجاهات انطلقت روحه عبر نفق مظلم الى ان استقرت في الدرك الأسفل من النار وسمع مناد ينادي لا جعل الله له قرارا ... عاش حمارا ومات حمارا


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد