تعلمت من بلدي

mainThumb

01-02-2023 03:05 PM

تعلمت ان الحياة في القرية لا تختلف مع الحياة في المدينة ، وان الحياة في بلد ما هي نفسها في اي قطر واي بلاد ، ولا يكون الاختلاف الا في التفاصيل اما الاصول فهي هي ، فالتنفس هو التنفس والنوم هو النوم والاكل هو الاكل والحركة هي الحركة ، والاختلاف قد يكون في الكيفية او هو في الاسلوب وفي التفاصيل ، وهذا الاختلاف شكلي او قل مظهري اذ من السهل التعامل معه والتاقلم به من اي مقيم هنا او هناك .
فقد نشأت في مجتمع القريه، وبقيت في احضان مجتمع القرية، وقد قضيت كل السنين الاولى من حياتي حتى انهيت دراسة الثانوية العامة فيها، فانتقلت بعدها لاعيش في مجتمع شديد الاتساع وكل الاشياء الحياتية فيه مختلفة، فالنوم على سرير وليس على الارض وكلاهما نوم ، والاكل تحضرة سيدة لا تشبه امي لا في الشكل ولا في الملبس ولا في الحديث الا ان الاكل متشابه في التكوين وفي سكبه استخدامه، وعلمت ان الانتقال كان لمسافات طويلة يستلزم استخدام وسيلة للنقل لان المشي للوصول الى النقطة المطلوبه يكاد يكون مستحيلا الا ان الهدف واحد والنتيجة واحدة ، وبالرغم من ان الزملاء ليسوا هم نفس الزملاء ، فبالرغم من ان كل شيء قد اختلف الا ان النتيجة واحدة في كل الاحوال والظروف ، فانا لا زلت انا والحياة مستمرة كما كانت وكما ستبقى ..
تعلمت ان لا احاول ان افعل شيء الاصل ان لا افعله او انه غير مطلوب مني ان افعله، وبشرط ان استطيع القيام به بدون رقيب ، فقد سألت مرة جارنا الذي كان يحرث الارض بجوار بيتنا ان يعلمني الحراثه فقال لى تعال وهات معك سبع صرارات (اي سبع حجارة صغيرة جدا)، فقفزت عنده واوقف دابته وطلب مني ان اضع الصرارات السبعة على مقبض الحراثة التي يمسك بها الحراث ويوجه من خلالها خطوط الحراثة ففعلت، يم قام بامساك يمناي ووضع فوقها ووضع يده فوق يدي وضغط فصرخت ، قال ما بك ؟ قلت ان يدي التي وضعتها فوق الحجارة الصغيرة اوجعتني ، ضحك الرجل وقال لي : اعلم بانك ستستطيع اتقان عملية الحرث بعدما تستطيع ان تمسك بالمحراث بقوة وتسيطر على اجراءات الحراثة كما يجب وبدون مراقب الا نفسك فتركته وانصرفت ..
ذهبت مرة مع بعض الاتراب لزيارة الرعيان الذين يستريحون عند الظهيرة مع بعضهم تحت زيتونة وارفة الظلال واغنامهم تحت بصرهم ، وكنت البس بنطالا قصير الطول حتى ارتفع الى فوق الركبة بعد ان جلست تحت شجرة الزيتون ومع الاحبة، وكان احدهم نائما في الظل واظن ان الساعة كانت حول الحادية عشره صباحا ، حينما شعرت ان شيئا دافئا يتحرك على رجلي، اذهلني بعدها ما رأيت، رايت ان ثعبانا ملونا صغيرا سار بين الجالسين ولم يشعر به احد ،شعرت حينها بانه هو الذي اشعرني الدفئ المتحرك على رجلي ثم هرب الى جدار قريب واختبأ ، ضحك الحاضرون من الحالة والمنظر ولم يهربوا واستمروا في لهوهم البريء ، لم يسبوا ولم يشتموا كما يفعل اولادنا هذه الايام حينما يمر بهم حدث لا يعجبهم، فابي لم اره في حياتي غضبان ولا اسمعني صراخا او جدالا مع اي من البشر .
علمتني بلدي وعلمتي الحياة فيها ان العلاقات بين الاخوة في البيت وبين الاقارب وبين الناس عموما يجب ان تكون دائما مستمرة ومتقاربه وجميلة فالحياة الدنيا لا تستمر الا بالعلاقات ، وان الانقطاع والابتعاد عن الناس لا يستمر حتى لو اراد الانسان ذلك ، فالانسان محتاج الى الجار والى البقال والى الطبيب لكي يعيش ايامه ، وبالطبع فان تلك الحياة تبدأ من داخل البيت ثم تتحرك الى خارجه..
لا شك انني وللأسف أصبحت أرى بعض الفوارق بين المجتمعين، ولا ارغب ان أقول بان الفرق هو بين مجتمع القرية ومجتمع المدينه ، اذ ان مصير القرية في بلادي ان تصبح مدينه ، ولكنني اخشى ان تبقي الفروق بين المجتمعين بل تزيد ، فقد تعلمت مثلا في مجتمعي القديم ان اقف في الباص لاي امراة او رجلا كبير في السن يركب الباص وليس فيه مقعد فارغ له أولها ، وتعلمت ان لا اسير امام او حتى بجانب ابي بل خلفه ، وتعلمت ان لا انظر لغير امي او خالتي بغير نظرة الاحترام والاجلال.
ومثل هذه الأمور والعادات كثيرة مما اعتقد باننا فقدناها الان، ليس لانها عادات القرية وليست عادات المدينة وانما لأننا صرنا نسير خلف عادات وتقاليد ليست منا ولا لنا ، هم ارادوها كذلك ونحن سرنا للأسف خلفهم .. فمتى وكيف سنعود ؟ وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ...


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد