تصحيح لبعض المفاهيم الزلزالية

mainThumb

13-02-2023 10:12 AM

الملاحظ أنه في أعقاب كل زلزال يترك آثارا مدمرة تكثر الإفتائات ونشر بيانات خاطئة لا أساس علمي ومنطقي لها حتى أننا لاحظنا دخول العرافين والمشعوذين وشحيحي المعرفة العلمية على الخط في هاذا الموضوع. ينبغي على كل من يدلي بدلوه في هاذا المجال أن لا ينشر أراء خاطئة من أساسها إقتبسها عن غيره من وراء ستار من المختصين دون أن يكون له حتى المقدرة على إعطاء تفسير علمي متعمق لها. على كل من يدلي بدلوه في تحليل هذه الظاهرة الطبيعية أن يحيد ذاته ونزعاته الشخصية ويستند إلى معلومات صحيحة بحيث يكون دوره بناء في نشر المعرفة العلمية حتى لا تنعكس آرائه الخاطئة على المزاج السياسي والإقتصادي والإجتماعي العامة للبسطاء من الناس في ظل إنتشار وسائل التواصل الإجتماعي على نطاق واسع.
في البداية أود أن أوضح أنه لوحظ خلط كبير بين شدة الزلزال وقوة الزلزال. الشدة الزلزالية هي عبارة عن وصف عيني للأثر ألتدميري الناجم عن الزلزال على سطح القشرة الأرضية، سوأ كان بصورة انهيارات وتصدعات في المنشآت، أو على هيئة تصدعات، إنزلاقات أو انهيارات أرضية، إضافة إلى التفاعل النفسي للإنسان مع الوسط المحيط به أثناء حدوث الزلزال أو بعبارة مختصرة الشدة تمثل وصف تجريدي للنتائج العينية لأثر الزلزال على الإنسان والوسط المحيط به.
الشدة الزلزالية، أول محاولة جدية لتقييم حجم الزلزال من حيث الشدة ألتدميرية له قام بها الإيطالي ميركالي (Mercali) ومكون من 12 درجة، حيث وضع مقياس للزلازل سمي باسمه يعتمد على الوصف العيني للأثر ألتدميري الناجم عن الزلزال. لاحقا قام كل من Cancani من إيطاليا و Seiberg من ألما نيا باستكمالها حيث أصبحت ومنذ عام 1917م تعرف باسم MSC-Scale. هذا المقياس اعتمد آنذاك من قبل المفوضية العالمية للزلازل (ISA). في عام 1952 أدخل كل من Medvedev (روسيا)، و Spoheura (ألمانيا)، و Karnik (تشيكوسلوفاكيا) تعديلات جديدة على مقياس ميركالي أخذين بعين الاعتبار نوعية المنشآت المقامة حيث اعتمد رسميا في عام 1964 من قبل منظمة الأمم المتحدة للثقافة والعلوم (UNESCO)، و أصبح هذا المقياس منذ ذلك الوقت يعرف باسم MSK-64 أو European Seismological Scale-1964.

القوة، بما أن الشدة الزلزالية لا تمثل المعيار الحقيقي لحجم الزلزال خاصة عند أخذ عوامل البعد البؤري، عمق الزلزال، خصائص الموقع (Site conditions)، مستوى المياه الجوفية وكذلك طبيعة المنشآت في منطقة ما في الاعتبار. كما لا يمكن لها أن تعكس الحجم الحقيقي للحدث الزلزالي بسبب من تباين نوعية المنشآت من منطقة إلى أخرى ومن بلد لآخر، حيث ترتب على ذلك ظهور مقاييس عدة للشدة الزلزالية منها على سبيل المثال مقياس الشدة الياباني المكون من 7 درجات ومقياس الشدة الصيني. بناء على ذلك كان من الضروري وضع مقياس أكثر دقة في تقييم حجم الزلزال يتخطى العوامل سالفة الذكر. عام 1935 وفي محاولة منه قدم تشارلز ريختر مقياس لوغاريتمي يحدد فيه قوة الزلزال اعتمادا على الإزاحة القصوى للأمواج الزلزالية Am بالميليمترات مقسوما على زمنها الموجي بالثواني مضروبا بمعامل تضخيم جهاز التسجيل. هذا الإنجاز جاء معبرا بصورة تقريبية عن مقدار الطاقة المنبعثة من بؤرة الزلزال ( جزء من الطاقة التكتونية المتراكمة في بؤرة الزلزال يتحول إلى طاقة حرارية والباقي تنقله الأمواج الزلزالية إلى السطح لتسجله محطات رصد الزلازل).
من بين المنشورات تتحدث إحداها عن أن الصفيحة العربية وبضمنها الأردن على طول صدع البحر الميت تتحرك شمالا بينما صفيحة فلسطين المنفصلة أيضا عن الصفيحة الأفريقية تتحرك جنوبا. الواقع التكتوني كما نراه يقول أن كلا الصفيحتين العربية وفلسطين مع سيناء وأجزاء من شرقي البحر المتوسط يتحركان في اتجاه الشمال الشرقي والشمال الغربي لكن الصفيحة العربية تنزلق بوتيرة أسرع من صفيحة فلسطين. هذه الحركة لكلا الصفيحتين العربية وفلسطين تشكل رحمة لنا إذ لو كانت فلسطين تتحرك بشكل معاكس لصفيحة فلسطين لكانت منطقتنا شديدة الخطورة زلزاليا وهي ليس كذلك الحمد لله.

هشاشة صخور القشرة الأرضية عادة ما تكون في الجزء السطحي فقط بينما الصخور الأعمق تكون صلدة وأكثر كثافة وبالتالي الهشاشة تعني تضخيم موجي كبير وأثر سطحي أكثر دمارا للزلزال وليس العكس كما يرى البعض. الأمر يتعلق بمعامل المقاومة الزلزالية للطبقة السطحية مقارنة بالمقاومة الزلزالية للطبقة الصخرية أسفلها الأكثر كثافة، إذا كلما زاد الفارق في المقاومة الزلزالية بين الطبقة السطحية والطبقة الأكثر كثافة أسفلها كلما زاد التضخيم الموجي الزلزالي وبالتالي أثر تدميري أكثر للزلزال.

يعتقد البعض أن الأبنية المتعددة الأدوار أكثر تأثرا بالزلازل وأن الأبنية المكونة من دور واحد هي أقل خطورة. هاذا الإعتقاد خاطئ من أساسه إذ أن هاذا الأمر تحكمه عوامل هندسية زلزالية عديدة. الأبنية المكونة من دور واحد تتميز بتردد حر عالي يصل إلى أكثر من 10 هيرتز. كلما زاد عدد الأدوار كلما قل التردد الحر لها. على سبيل المثال التردد الحر لمبنى 101 في تايبي عاصمة تايوان المكون من 101 دور هو 1.27 هيرتز. لتلافي امكانية تناغم التردد الحر لهاذا البرج في تايوان مع التردد الرنيني للقاعدة المقام عليها هذا البرج أضطر المهندسون التايوانيون إلى بنائه فوق أعمدة مسلحة إخترقت 80 مترا من الرسوبيات الرخوة وصولا إلى القاعدة الصخرية عالية التردد. معظم الدمار في الأبنية التي تعرضت للزلازل يكون بسبب ظاهرة الرنين الزلزالي الناجم عن تناغم تردد المباني مع تردد المواقع المقامة عليها هذه الأبنية. لذا وتلافيا لحدوث ذلك ينبغي فوق التربة الرسوبية الرخوة أن لا يزيد إرتفاع المباني عن دورين بينما فوق الصخور عالية الكثافة من الضروري أن يرتفع المبنى لأكثر من أربعة أدوار.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد