الاستهلاك في رمضان ومفهوم البركة.

mainThumb

18-04-2023 02:47 AM

يعد الاستهلاك من أهم النشاطات الاقتصادية التي لقيت العناية في البحث والدراسة عند أهل الاقتصاد. إذ أنه يعد في مستواه الكلي أحد أهم وأكبر مكونات الطلب الكلي الذي يلعب دورا أساسيا في تحقيق التوازن الاقتصادي، وتسعى الحكومات في سياساتها الاقتصادية إلى ديمومته و تنشيطه لتفعيل عجلة الاقتصاد.
في النظرية الاقتصادية الجزئية يسعى المستهلك العقلاني إلى تكبير حجم المنفعة التي يحققها من استهلاكه للسلع والخدمات، وذلك ضمن محددات متعددة من أهمها دخله وأسعار السلع وذوقه والدعاية والمواسم وغيرها.
وفي التحليل الاقتصادي الكلي للاستهلاك، فإن دالة الاستهلاك في شق لها تعتمد على الدخل المتاح، بالإضافة لوجود جزء ثابت من الاستهلاك مستقل عن ذلك الدخل، هذا بالإضافة لوجود محددات أخرى لتلك الدالة كالثروة وغيرها والتي يفترض التحليل الكلي ثباتها لحين.
في الاقتصاد الإسلامي تبنى كثير من الباحثين المعاصرين تلك النظريات في تحليل سلوك المستهلك المسلم، وكذلك في تحليل دالة الاستهلاك الكلي لديه، هذا التبني جاء مع ادخال بعض الضوابط والمعطيات الإسلامية على تلك النظريات التقليدية.
التحليل الذي قدمه علماء الاقتصاد الإسلامي يتعلق في مستواه الجزئي بفرضية العقلانية، إذ اعتبر التحليل الإسلامي أن المستهلك المسلم يحقق العقلانية في استهلاكه في حال نشد هدفها مباحا وسلك طريقا حلال لتحقيقه، وكانت سلة السلع والخدمات لدية خالية من السلع المحرمة، وكذلك دخله جاء من الحلال. بالإضافة إلى تجنب أنماط الانفاق المحرمة شرعا والواقعة في مناطق الاسراف والترف والتبذير من جهة، ومناطق البخل والامساك والتقتير من جهة أخرى، والتزامه في أن يكون في استهلاكه ضمن مساحة الكفاية المباحة، فلا يغل يديه إلى عنقه ولا يبسطها كل البسط.
وفي التحليل الكلي كذلك ركز الباحثون على أهمية تجنب مناطق الاستهلاك المحرمة المشار اليها سابقا، معترفين بارتباط الاستهلاك بعلاقة طريدة مع الدخل، وكذلك مقرين بمفهوم الميل الحدي للاستهلاك، والذي يكون لدى الفقراء أعلى منه عند الأغنياء، بمعنى أنه إذا اكتسب الفقير والغني دخلا جديدا فإن الفقير ينفق من ذلك الدخل على الاستهلاك أكثر مما ينفقه الغني عليه.
والآن إذا أردنا الحديث عن الاستهلاك في رمضان فإنه ينبغي لنا أن نحتكم إلى النظرية الاقتصادية الإسلامية، لنجد أن رمضان المبارك ومن بعده العيد السعيد هي مواسم خير، والمواسم كما رأينا تؤثر في طلب المستهلك على السلع والخدمات فيرتفع الطلب فيها، فلا غرابة إذا من ذلك.
ومن جهة أخرى نجد أن رمضان يشهد حركة نشطة في إعادة توزيع الدخل، إذ يعمد كثير من أغنياء المسلمين إلى إخراج زكاة أموالهم في هذا الشهر الكريم، وكذلك يخرجون زكاة فطرهم فيه، وهذا يعني أن هناك إعادة توزيع للدخل يجري من الأغنياء وهم أصحاب الميول الحدية المنخفضة للاستهلاك ويذهب إلى الفقراء وهم أصحاب ميول حدية مرتفعة للاستهلاك، فيرتفع بذلك الطلب الاستهلاكي ككل.
ولا ننسى هنا ابراز المسلمة التي تقول إن المستهلك المسلم يتجنب استهلاك السلع والخدمات المحرمة، ويتجنب كذلك مناطق الاستهلاك المحرمة التي أشرنا اليها أعلاه، فيهجر التقتير، ويبتعد عن التبذير.
إذا حلول موسم الخير والبركة وإعادة توزيع الدخل فيه بالإضافة الى توسع الأغنياء في الإنفاق الاستهلاكي ضمن مساحة الكفاية المباحة، كل ذلك يفسر ارتفاع حجم الاستهلاك كنشاط اقتصادي رئيسي ومحفز لباقي القطاعات الاقتصادية ومن أهمها الاستثمار.
ومن هنا أجدني أقول إن ارتفاع حجم الاستهلاك في رمضان ظاهرة إيجابية ومفيدة للاقتصاد، وأن من مقاصد الإسلام تحفيز الاقتصاد في المواسم التي ترافق العبادات العظمى فيه وهي عبادة الصيام وعيده السعيد، وهو مقصد ينطبق أيضا على عبادة الحج وعيده المبارك، ومن هنا أرى إن مفهوم البركة يتحقق في ارتفاع الانفاق في رمضان، وأن هناك مبالغة في انتقاد ارتفاع حجم الاستهلاك في الشهر الكريم، وان ذلك الانتقاد لا يستند إلى نظرية علمية ولا إلى دراسة ميدانية، بقدر ما هو غائم وعام، لا يدرك معنى البركة في رمضان، شهر الخير والإحسان.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد