التحذير من ملء الوقت بقوالب من الفراغ

mainThumb

16-07-2023 06:12 PM

يَحارُ أُولُو النُّهى أَمامَ الكمّ الهائل، المتدفق من شلال الحياة على روابي متطلباتها، ومع أنّ الحياة واحدة من حيث شروق الشمس وغروبها، إلا أنّ المنبثق عنها ألوان متعددة، تزدحم بها متطلبات الحياة بين المهمّ والأهمّ واللامهمّ، حتى يلجأ أحدنا إلى مبدأ التهميش، أو قل: "التطنيش"، فرارًا من الازدحام المتراكم.
ومما أجمعت عليه عقلاء البشرية قاطبة: (أهمية الوقت)، فهو رأس مال الإنسان، وهو الخزينة لما سبق، والمدّخر لما سيأتي. إلا أنّ الوقت يتفلّت منا كالفرس الجامح من غير سرج ولا زمام.
وعندما نحتاج إلى جدولة أعمالنا في أعمارنا، نجد أنّ الوقتَ عزيزٌ، ففي مطلع العمر يعتمد أحدنا على مرحلة ما بعد الشباب، ويملأ حياته في يافع العمر بفراغات لا تسمن من جوع ولا تروي من عطش، ولا ترتقي سلّم الإنجاز، وما هي سوى أعوام قليلة ويدخل أحدنا في العقد الرابع من عمره فينشغل في إعداد الخطة لمسيرة حياة الأسرة من أبنائه وبناته، على أمل أن يحقق إنجازاته وطموحاته بعد استقرار مسار الأسرة.
وكم هو إنجاز أن يبني أحدُنا أسرةً سالمة بالألفة والمحبة، سليمة من النزاع والشقاق، ولكنّ المطلوب من الكثيرين منا صناعة الوقت بالإتقان في العمل، والارتقاء في جميع مستوياته الشخصية، وأن يحقق للدين وللوطن والإنسانية شيئا فريدا، وعملا مبتكرا، وإن لم يستطع فليصنع من نفسه شعلة من النور تضيئ لأبنائه من بعده طريقا إلى خدمة الوطن وبناء الأمة، وذلك أضعف الإيمان.
وكلنا بحاجة إلى الوقت، فالطالب –مثلا- الذي يؤخر دراسته بناء على أن في الوقت متسعًا، يتفاجأ بفقاعات من الانشغالات، يتراجع بسببها عن أداء الواجب، فتتغير مسارات حياته إلى مداخل لا يرغب بها ولا يتمناها، فمن أحسنَ قيادة وقته فقد أنجز، وإلا فلن يستطيع حصر خساراته بإضاعة الأوقات.
وصاحب المهنة بحاجة إلى الوقت ليتوسع في مهنته وصنعته، وبإهمال الوقت لن يتقدم في الإبداع والابتكار، وسيراوح مكانه، ولا يمكنه المنافسة في ميدان العمل، مما يعني أنه بإهمال الوقت سيجني شوكا، وشيئا من الندم وكثيرا من الخسارة.
ويبرُزُ الباحثون عن مكامن القوّة في مجتمعاتهم لتعزيزها، ويتتبعون مكامن الخلل فيشرعون في أداء الواجب لسدّ ذلك الخلل، من غير كلل ولا ملل، ولا انتظار شكر، إلّا من اللهِ سبحانه وتعالى.
فكم نحن بحاجة إلى التكاتف، لملء الوقت بالذي هو خير، والابتعاد عن التفن بإضاعة أوقاتنا وأوقات الآخرين، فمقياس مسيرة التقدم والازدهار لنا ولغيرنا باستغلال الوقت، والواجب علينا جميعا، تجاه الأمانة التي تتحملها الأجيال زمانا ومكانا، من صناعة السعادة والرفاهية لمن بعدَنا، لا يمكن حملها إلا بإنجاز العمل في الوقت المحدد.
والتحذير من الوهم بتحقيق الإنجازات، بملء الأوقات بالفارغ من الأمور ولو في أكواب من ذهب وأباريق من فضة، فهي لن تسكب لنا ذهبا ولا فضّة، لأنّ الوقت أغلى من الذهب والفضة.
كما.. ويتحصّل الندم –لا قدّر اللهُ- كلما استبدلنا الذي هو أدنى، من المجاملات المزيفة والارتباطات المزركشة، بالذي هو خير من فهم دروس الحياة، وجعل التجارب محور العمل، وسبك الخبرات لرفع الكفاءات، وجعل القدرات معاول للبناء، والسعي الجادّ لتحقيق الثمر في موسمه، وعدم التأجيل والتسويف المقيتين، والتبكير في أداء العمل دون انتظار للشباب أن يعود، ولا للمشيب أن يأتي، ونسيان المعيقات أمام تحقيق الطموحات، فنحنُ أبناء اليوم، ونحِنّ لشروق شمس أمثل.
د. محمد عبدالجبار الزبن
agaweed1966@gmail.com


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد