شيطنة المكوّنات الوطنية

شيطنة المكوّنات الوطنية

04-12-2025 04:42 PM

لم يعد مستغربًا في السنوات الأخيرة أن تتسابق أقلامٌ أردنية في شيطنة الحركة الإسلامية، وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين، حتى تجاوز بعضهم حدود النقد السياسي المشروع إلى خطاب مليء بالتجريح والتهوين من الذات الوطنية. المفارقة المؤلمة أنّ هؤلاء الكتّاب باتوا يهاجمون الإخوان أكثر مما يهاجمون الاحتلال الإسرائيلي نفسه، ويحلّلون الواقع بلغة انهزامية كأنهم «ترامبيون أكثر من ترامب».

وأنا ــ الكاتب ــ لست من الإخوان، ولا تجمعني بهم علاقة تجعلني منحازًا لهم، لكنّ ما يؤلمني أنّ بعض الكتّاب تحوّلوا إلى أدوات تروّج لخطاب يسيء لهيبة الدولة واستقلال قرارها أكثر من كونه نقدًا سياسيًا واعيًا. لقد أصبح بعضهم ــ وللأسف ــ «صهاينةً أكثر من صهيون نفسه»، يردّدون خطاب الخوف والتبعية والإذعان، ويصوّرون الشعب الأردني والأمة العربية وكأنها عاجزة أمام ترامب أو غيره.

هؤلاء لا يدركون أن التفريط بكرامة المجتمع وطمس هويته الدينية والوجدانية هو أقصر طريق لإضعاف الدولة من الداخل. يحاولون تفريغ الناس من ضميرهم وعقيدتهم وانتمائهم، ولا يدركون أن قوة الدول تأتي من توحيد مكوّناتها الداخلية وليس من شيطنتها

تجارب الدول الناجحة تؤكد أن أقوى موقف تفاوضي هو الذي يستند إلى جبهة داخلية متماسكة. الأردن تاريخيًا كان بارعًا في إدارة توازنات داخلية تحافظ على الاستقرار دون صدامات مفتوحة
إنّ أخطر ما في الأمر أنّهم يصنعون «سردية انهزامية» تدّعي أن لا خيار أمام الأردن إلا الانصياع للضغوط الإسرائيلية والأمريكية. من يقول هذا لا يدافع عن الدولة، بل يسيء إليها، لأنه ينزع عنها قدرتها على المناورة والصمود والتمسك باستقلالية قرارها.

لدينا شواهد تاريخية تثبت أن الأردن كان قادرًا دائمًا على صناعة توازنات ذكية دون أن يصبح تابعًا للغرب أو أداة لمصالح الآخرين. الملك الحسين رحمه الله مثال واضح على ذلك؛ فقد فهم جيدًا أنّ الحركة الإسلامية رغم اختلافه معها في بعض المواقف، تشكّل رصيدًا سياسيًا وأمنيًا واجتماعيًا مهمًا للدولة، لا عبئًا عليها. لذلك سمح لها بالنمو، ولم يترك الأقلام الرعناء تشيطنها، لأن الدولة الحكيمة لا تحارب قوى مجتمعها، بل توظّفها لصالح استقرارها.

وتكفي شهادة دولة مضر بدران رحمه الله عندما طالبت إحدى الدول العربية بإقصاء نواب الإخوان عام 1989 مقابل سداد ديون الأردن. فجمع بدران النواب سرًا، فأبدوا استعدادهم للاستقالة إن كان ذلك يخدم الوطن. هذه الواقعة وحدها تكفي لإثبات أنّ الحركة الإسلامية لم تكن يومًا ضد مصلحه الشعب والدولة، بل كانت في أصعب الظروف أكثر تحمّلاً للمسؤولية من بعض الكتّاب الذين لا يتقنون سوى التشويه والتحريض.

الحركة الإسلامية ــ بمختلف أطيافها ــ تمثل شريحة اجتماعية واسعة وامتدادًا ثقافيًا ودينيًا للمجتمع، ونقدها يجب أن يكون سياسيًا لا شيطنة وجودية.

إنّ الضغط على الحركات الإسلامية قد يكون له مبررات سياسية تتعلق بالمرحلة، لكنّ شيطنتها هو خطأ استراتيجي، لأنه يرسّخ خطابًا انهزاميًا ويُفلت عقال الشارع. فالشعوب ليست ساذجة؛ تدرك المستهدف وتفهم أدوات الحرب الناعمة، وتعرف متى يصبح الخطاب الإعلامي مجرد صدى لرغبات الخارج.
نقد الإخوان أو غيرهم حق مشروع، لكن تحويل النقد إلى “عداء وجودي” يخدم خصوم الأمة أكثر مما يخدم الدولة نفسها ملفوض ومرفوض.

السياسة الحكيمة لا تقتل مكوّنات المجتمع، ولا تكتب تاريخ الهزيمة بأقلام مرتعشة، ولا تجعل من نفسها أداة بيد الاستعمار الحديث



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد