من الحرب إلى الحوار

من الحرب إلى الحوار

04-12-2025 01:33 AM

كيف يمكن للإعلام أن يحول خطاب الكراهية في الجامعات إلى فرصة للبناء؟
تخيلوا هذا المشهد: شجار بسيط يندلع في ساحة جامعية، وقبل أن تهدأ الأصوات، تنتشر مقاطع مصورة على مجموعات الواتساب، وتتصاعد تعليقات مشتعلة تزيد الجروح عمقًا: "طلاب الشمال ضد طلاب الجنوب"، "العشيرة الفلانية لازم تنتصر". في دقائق، يتحول خلاف عابر إلى معركة هويات. هنا يبرز سؤال محوري: هل كان الإعلام في هذه اللحظة جزءًا من الحل، أم جزءًا من المشكلة؟
المحور الأول: الإعلام قوة تشكيل للوعي.. فكيف نوجهها؟
لم يعد الإعلام مجرد ناقل للأخبار، بل تحول إلى قوة فعالة تشكل وعي الجمهور وطريقة فهمه للأحداث. في مثال المشاجرة الجامعية، يمكن لهذه القوة أن تكون وقودًا للنار أو أداة لبناء جسور الحوار والعقلانية. المفتاح هو كيف نستخدمها للخير:
• سرد القصة الإيجابية: مثل الطالب الذي حول خلافه الشخصي إلى مبادرة "أسبوع التسامح".
• إعادة صياغة الحدث: بدلاً من وصفه "بشجار عشائري"، يمكن تقديمه على أنه "أزمة قيم واختراق للمجتمع الجامعي".
• إطلاق الخطاب المضاد: الرد على خطاب الكراهية بخطاب تسامح بلغة الشباب نفسها، وليس بلغة الوعظ التقليدية.
المحور الثاني: المعضلة الأخلاقية.. بين السبق الصحفي والمسؤولية
كثير من التغطيات الإعلامية تقع في فخ الإثارة والتهويل: تضخيم الأحداث بالصور الصادمة، ووصم الأفراد بانتماءاتهم الضيقة، ثم إغلاق الملف بعد يومين كأن شيئًا لم يكن. لكن الإعلام المسؤول يتجاوز سؤال "من أخطأ؟" إلى "لماذا حدث الخطأ؟ وكيف نمنع تكراره؟". هنا يبرز دور الطلاب كصناع محتوى ومواطنين فاعلين في الموازنة بين حرية التعبير وعبء المسؤولية. لو طُبق نموذج التغطية المسؤولة على حوادث الشجار الجامعي، لتحول النقاش من البحث عن "المتورطين" إلى تحليل جذور الأزمة واقتراح حلول عملية.
المحور الثالث: المعركة الحقيقية.. على الشاشات الصغيرة
لم يعد الصراع مقتصرًا على الساحات الجامعية، بل امتد إلى المنصات الرقمية وشاشات الهواتف. منشور واحد، أو فيديو مجتزأ، أو تعليق غاضب، يمكن أن يشعل فتيلة الفتنة في دقائق. المواجهة تتطلب حكمة رقمية:
• إطلاق هاشتاغات إيجابية مثل #طلاب_ضد_العنف و #حوار_جامعتي.
• صنع محتوى شبابي إيجابي عبر "الريلز" والتيك توك والبودكاست يتناول قيم التسامح والمواطنة.
• الإبلاغ عن أي محتوى يحرض على الكراهية، لأن الصمت أمامه مشاركة في الجريمة.
المحور الرابع: من الخطاب إلى خطة عمل.. اقتراحات قابلة للتنفيذ
الكلام وحده لا يكفي. نحتاج إلى خطوات عملية:
1. التعليم: إدخال مساق جامعي في "التربية الإعلامية والمعلوماتية" لتعليم الطلاب التحقق من الأخبار والتفكير النقدي.
2. الإعلام الجامعي: تحويل الإذاعة والتلفزيون والمنصات الرقمية التابعة للجامعة إلى منابر للحوار المسؤول.
3. الشراكة: صياغة "ميثاق شرف إعلامي" بين الجامعة وطلابها برفض خطاب الكراهية بكافة أشكاله.
الخاتمة: أنتم الحاضر.. لا تنتظرون التغيير بل تصنعونه
هذه ليست مجرد كلمات، بل خريطة طريق. الغد يبدأ من اليوم: هل ستطلق أول بودكاست للحوار؟ هل ستنشئ مجموعة واتساب للتفكير الإيجابي؟ الجامعة ليست ميدانًا للتناحر، بل مختبرًا للعيش المشترك. بين أيديكم الكاميرا، وفي هواتفكم الميكروفون، وفي كلماتكم القوة. الخيار بين أن تملؤوا الفضاء بالكراهية أو بالحوار.
فلنكن معًا الجيل الذي لا يرد على الكراهية بالصمت، بل يواجهها بالعقل والحب والحوار.

 

* قسم الصحافة والإعلام والاتصال الرقمي – الجامعة الأردنية



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد