أزياء الشيطان

mainThumb

20-11-2023 09:23 PM

ترى عالمة النفس السلوكي كارولاين ماير في كتابها "سيكولوجية الملابس" أن الملابس لها دور رئيس في تشكيل هوية الشخص، فبالملابس يُعرف الشخص وتحدد هويته وأفكاره، وأن للباس دورا في تبيين توجهات الفرد وانتماءاته وميوله ورغباته، وبيّنت أن للباس فلسفة خاصة عند مرتديه تختلف عند من ينظر إليه، فما يراه الشخص من ملابس قد تبدو له متخلفة أو بدائية أو فوضوية، قد يراها صاحبها على النقيض من ذلك تماما.
فاللباس هو هوية دينية واجتماعية وثقافية وجنسية وعرقية وقومية ومهنية، فبه ومن خلاله نستطيع أن نقرأ الآخر، وهو علامة مائزة للشخص. فكما أن هناك هويات كثيرة للبشر، فإن اللباس يعد من أهمها وأخطرها.
وترى كارولاين في كتابها السابق أن ثمة علاقة قوية بين اللباس والسلوك الإنساني، وأن هذه العلاقة تقوم على التأثر والتأثير، فانطلقت في بحثها من الإيمان بفكرة اللباس باعتباره أحد فروع علم النفس؛ لأنه يعمل بشكل مباشر في تطوير عملية فهم أعماق للإنسان وسبر أغواره السلوكية وأنماط تفكيره، فترى أن للأزياء دورا كبيرا في الحياة المعيشة للناس وتحسين نوعيتها. وبما أن الأزياء أكثر ما تعنى بالملابس فهي أيضا ذات بعد نفسي لا ينفك عن درس علم النفس، فالملابس جلدنا الثاني بعبارة كارولاين، وذات صلة وثيقة بأجسادنا وسلوكنا.
وهكذا، فإن إفساد أي مجتمع من المجتمعات أو أمة من الأمم يبدأ بلباسها بوصفه مؤثِّرا في صاحبه وعاملا رئيسا في تشكيله ومعماره السلوكي والفكري، فاللباس أداة مهمة لتغيير البنية الفكرية عند صاحبها، ومهمة أيضا في تغيير نمطية التفكير حول الأشياء، فقد يكون اللباس هو المسؤول بالدرجة الأولى عن الدفاع عن فكرة الشذوذ أو الإباحية أو التعري أو التمرد أو العدمية أو الإلحاد.

إن فكرة تطوير الملابس فكرة مستمرة لا تتوقف نهائيا، لأسباب كثيرة، بعضها اقتصادي رأسمالي يسعى جاهدا لاستنزاف ما تبقى عند الناس من مال أو قيمة، ليلهث وراء شهواته وميوله بلا ضابط أو حد. والسبب الآخر هو أخلاقي بامتياز، بعد أن تجاوزوا الملابس المكشوفة والجاذبة والمزركشة والمغرية والفاضحة، انتقلوا إلى ما هو أخطر من ذلك، وهو توظيف الرموز والأساطير الشيطانية على الملابس، عدا عن توظيف اللغة في ذلك أيضا، من خلال كتابة عبارات جنسية أو كفرية أو إلحادية أو شاذة أو إباحية، وهذا بلا شك، أمر خطير جدا. لأنها ساعتئذ، لن تكون مجرد ملابس، بل هي أداة للتعبير عن الأشخاص، ومدى تأثير ذلك في أنفسهم والآخرين، وهويتهم، وكيف يعيشون حياتهم، وهذا مما سينعكس، حتما، على سلوكهم وتصرفاتهم.
وانطلاقا من ذلك، فإن النظام الرأسمالي يسعى جاهدا لتسليع المرأة، وتجريدها من إنسانيتها، من خلال إعادة تشكيلها ثقافيا وجسديا، استنادا إلى إشهار قوالب ونماذج معيارية، كالمغنيات، والممثلات، والمذيعات، والرياضيات، والدمى كـَ "باربي" مثلا، عدا عن توظيف الإعلام لمصطلحات تتكرر باستمرار في كل ما يخص المرأة من مثل " جاذبيتك، جمالك، كبرياؤك، ثقتك بنفسك، حضورك..."، وكذلك بوصفها دراميا بأنها "نجمة، بطلة،..."؛ وحتى يتحقق ذلك، وهو أن تظهر بهذه المظاهر لا بدّ من الاهتمام بلباسها وزينتها لإبراز جسدها ومفاتنها، لكي يصبح شغل المرأة الشاغل حتى لو كان على حساب فطرتها وقيمها وأخلاقها؛ أي على حساب قيمتها كإنسانة كريمة.
والأمر لم يقف عند هذا الحد فحسب، فلقد بدأ مصممو الأزياء من دار غوتشي (Gucci) وغيرها بيع الملابس التي يطلق عليها الملابس "الحيادية للجنسين،" أي الملابس التي يمكن للرجال والنساء ارتداؤها. فظهرت بعض دور الأزياء بمحاربة "النمطية الجنسية"، من خلال تصاميم تناسب الرجال والنساء، وفي أغلبها من الألبسة الفاضحة والمثيرة. أو الأزياء التي تعرف بالـ "Mannerist" ذات التصاميم الرجالية الخارجة عن المألوف، قمصان شفافة جدا، وبألوان زاهية وضيقة، ومزركشة الصدر، جينز بخصر عالٍ، وملابس مجسمة أو تصميم عروس البحر، و"التيشيرت" الضيق والقصير الذي يبرز السّرّة والبطن. والبنطلون الممزق أو المخرم أو الساحل.






تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد