هذا الإمامُ وهذه أعمالُهُ

mainThumb

04-02-2024 06:19 AM

 

مَرّة أخرى، في الطّريق، في كُلِّ طريق، يجفُّ بينَ أصابعيَ الماءْ، وتصبُحُ راحَة يَدي صحراءَ بغربانٍ كثيرةٍ.. ومغاراتٍ من رملٍ أحمر اللّون. وحينَ أنفِضُها، يختنقُ المسافِرون بالرّملِ والغُبار، وأختنقُ أنا بالنّقصانِ الثّقيل. هذه اللّيلة أُقارب بين جسدي والمحطّة.
أحتفي هذه اللّيلة بالطّريق، ليسَ عبرَ "أنا للطّريق" فقط، بل أنا الطّريقُ نفسُهُ أحيانًا، حينَ تصبحُ كلّ الأرصفة متشابهة، وشيئًا فشيئًا.. تسحبُ الجدّاتُ الفلسطينيات انكماشاتِ أثوابهنَّ عن الأزقة والأقواس، فيصبحُ المشهدُ فارغًا ومُوْحِشًا، وأقلّ قداسةً وحبًا.
بعدَ أشهرٍ من رحيل ابن رشد ودفنِهِ بمرّاكش، قرّر النّاس نقلَ جثمانه من مراكش إلى قرطُبة، ويروي ابنُ عربي، في الفتوحاتِ المكيّة، أنّه ولمّا وضعوا تابوته على جهةٍ من جهاتِ الدّابة التي ستحمله، وضعوا في الجهة الأخرى مؤلّفاته، وساروا به في "الطّريق". فقالَ أبو الحكم عمرو بن السّراج، ألا تنظرونَ إلى مَن يعادِلُ الإمامَ ابن رشد في مركوبه؟، هذا الإمام، وهذه أعمالُهُ. أي مؤلّفاته.
أفكِّر في حياتِهِ وحياتِها عبر الطريقِ الزّمنيّ الطّويل.
في قبره الذي ظلّ فارغًا بمرّاكش، ينقلُ كيليطو أنّه يقال: إنّ الوليَّ أبو العباس السبتيّ دفِنَ فيه بعده.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد