صحيفة السوسنة الأردنية

طوفان من الأحرف والجمل والكلمات تدهم عقلي، تتلاعب أمواجها به كما السفينة تجري لا مستقر لها، تبحث عن الجودي لترسو، وحين استوت فوقه، ثار كالبركان يقذف حمم الأفكار والأسئلة والخيالات والرؤى، احرقت بستاني الأخضر، أشعلت هشيم ما كدسته السنون في خزين اللاشيء وكل شيء.

يا سماء الحاضر المحبوس في قمقم الماضي... أقلعي، فقد أغرقتني التفاهات، ويا أرض التاريخ الذي تحصده مناجل الحاضر... ابلعي، فقد تقاذفتني الترهات.

كمقذوف ناري أنطلقنا منذ العصر الجليدي، فمن نحن؟ أخترق الأقطاب المتجمدة في مجرات المالانهاية، حيث نقطة البداية خط النهاية، وقشعريرة الثلج تهز كياني فوق ذاك الصفيح الساخن من أفعال البرايا، عجينة عجيبة التكوين لسعها مارج الخوف، فاستوطنها الرعب، ليمنحها سر البقاء المعلق بمشانق الواقع المقيد بدخان العوادم.

شيخ عجوز أنا يتعكز عصاه، تهتز كما الجان لتأكل كل تلك السنين العابرة، كما السُحب من كتب التاريخ ودفاتر الأيام، تخربشها اقلام الرصاص والألوان، وتمحوها ممحاة النسيان، أهز بيداي المرتجفتان سرير الطفل فيّ، أدندن بهمسات منغمة بآه وإيه، فترسل عيناي الدموع الممطرة، بصواعق الضحكات المزمجرة، وبريق الأمل والآمال في لحظة من الثانية.

ما بال الطفل فيّ لا ينام؟ أجائع أم خائف؟ يزحف نحو حتفه! لا تفعل... أنظر أنت على شفا النهاية التي تلبس قناع الولادة، أصرخ بأعلى صوتي فيه كي يرجع، فاسمع صدى صوتي: لن يرجع... لن يرجع.

ضعوا مقالي هذا قربانا تأكله النار، ثم لملموا رماده، وفي مزهرية من الفخار ضعوه، وازرعوا فيه زهرة البقاء، ومن ماء الخلود عطروه، وعندما تزهر كلماته، وتشتعل الأحرف فيه، صبوا من زيت تلك الشجرة التي غرستها في سراجه، فسيبقى فتيله سرا قد أغلقت عليه زنزانة قضبانكم وأقفالكم المتعبة.