ماذا حصل في سوريا

mainThumb

09-12-2024 11:24 PM

أصيب الجميع بذهول من جراء سرعة سقوط نظام الأسد من كلا الطرفين المؤيد والمعارض، المؤيديين للنظام اصابتهم الدهشة من سرعة تفاقم الأمور وتداعي النظام وسقوطه خلال فترة أقل من أسبوع من دون مقاومة. وكما هي العادة فالتفكير الساذج يقودهم نحو نظرية المؤامرة، التي تتلخص بتخلي الأطراف الداعمة لهذا النظام عنه، وأن هناك صفقة قد أبرمت تم الاتفاق عليها، وبذلك أصبح النظام الحالي فاقد لشرعيته. أما بالنسبة للطرف الآخر المعارض للنظام، أو حتى بالنسبة للمواطنين العاديين في سوريا. فإن سرعة انسحاب القوات السورية قد سهّل تقدمهم ودخولهم من مدينة إلى أخرى حتى وصلوا إلى الشام من دون أي مقاومة تذكر، وقد بدا هذا الأمر مفاجئاً لهم أنفسهم. فقد سقط النظام بشكل سلمي من دون قتال مغاير لما حصل في العام 2011 مع بداية الاحداث. فماذا حصل بالضبط؟
لتفسير ذلك، وقد أصبح سقوط النظام أمراً واقعاً سواءاً فرحنا أو غضبنا، مؤيدين، أو معارضين للنظام. يجب أن ندرك الحقائق التالية لفهم ما حصل:
أولاً: الوضع في سوريا منذ العام 2011 لم يكن هادئاً، لم يتغير شيء الآن، فسوريا كانت تعيش حالة من الفوضى والصراع الدائر في المنطقة برمتها منذ الربيع العربي واستمرت مع تفاقم الأحداث وتطورها في الصراع العالمي بين الكواسر الرأسمالية في حروب الوكالة من أجل الهيمنة المطلقة على منطقة الشرق الأوسط ودعم وتثبيت نظام الأبرتهايد العنصري ودمجه الكامل في المنطقة لرعاية المصالح الغربية وبالتحديد الأمريكية، والتي لا يمكن لها من أن تتحقق إلا بالقضاء على القضية الفلسطينية والتي تقودنا بالنتيجة إلى ضرورة تفكيك محور المقاومة بالكامل والقضاء عليه لضمان الاستقرار والأمن السياسي لتلك القوى المهيمنة ولسلام وأمن دولة العدو الصهيوني في المنطقة. فالمنطقة تجثم على براكين خامدة تتأهب للثوران. لقد ضخت الولايات المتحدة وحلفائها المليارات من أجل الخلاص من النظام السوري منذ العام 2011 وذلك ليس للأسباب المعلنة والتي تغلفها سياسات واشنطن بانعدام الديمقراطية واحترام حقوق الانسان وغيرها من الأكاذيب والافتراءآت التي تعودنا عليها. فالأسباب الحقيقية الكامنة وراء تفتيت سوريا بالتحديد هي أسباب لا تتعلق بنظام الأسد من أصله، ولا بحقوق الشعب السوري، بل بالمصالح الاستراتيجية والصراع الدولي على الهيمنة على مصادر الطاقة وطرق الإمداد. Supply Chain. من هنا فالصراع أكبر من سوريا ويتعداها بمراحل.
ثانياً: نظام الأسد وعائلته حكمت سوريا بالحديد والنار منذ ما يقارب الخمسة عقود. هذا النظام لم يطور من أدواته عندما هبت رياح التغيير التي اجتاحت العالم العربي أو ما سميت بثورات الربيع العربي، والتي استفادت منها القوى الغربية ووجهتها بالنتيجة لخدمة مصالحها بالدرجة الأولى. وهذا موضوع آخر. ولعل النظام الحاكم لم يستفد من دروس التاريخ والتجارب المستقاة من الربيع العربي. في حين ضيقت الدوائر الامبريالية وضربت طوقاً حول هذا النظام بغية إنهاكه، فالوضع السياسي والاقتصادي بالبلد كان في تدهور مستمر مما أدى إلى نمو الاستياء العام من السكان تجاه الوضع المفروض على النظام والحصار، بحيث أصبح النظام في سياساته الخارجية بين حدين، فمن جهة مهمته المقاومة والحفاظ على الثوابت الوطنية لدرء استدراجه نحو التنازل عن حقه في المقاومة ضد المشروع الصهيوني المعادي له منذ العام 1967 فسوريا هي الدولة الوحيدة التي لم تعقد صلحاً مع دولة الاحتلال ولم تطبع، بل بقيت داعمة ووفية للقضية الفلسطينية وضد كافة المشاريع الهادفة إلى تصفيتها عبر محور المقاومة. ومن جهة أخرى وقفت ضد مشروع تقسيم سوريا. فكما نعلم أن الحدود الجغرافية في منطقة الشرق الأوسط تم تقسيمها ضمن اتفاقية سايكس - بيكو لاستحداث كيان غريب في المنطقة وهذا الهدف قد تحقق بالكامل ولذلك فهذا التقسيم مع الزمن أصبح منتهي الصلاحية وهناك استحقاقات أخرى تفرضها القوى الغربية المهيمنة على منطقتنا.
أما على صعيد السياسة الداخلية، فذاك شأن داخلي يخص السوريون أنفسهم. ولكن هذا لا يمنع أن نقر أن النظام في سوريا كان في تدهور مستمر منذ سنوات ولم يدرك ويتعلم من أخطاء الآخرين، كما أنه لم يسعَ إلى تنفيذ برامج إصلاحية لتخفيف العبىء عن المواطنين. ففي الأزمات يلوم السكان السلطات في التقاعس عن الإصلاح ويحملها مسؤولية تدهور الظروف المعيشية بغض النظر عن طبيعة النظام، وطبيعة السلطة الحاكمة وما تجسده. فالناس تواقون إلى التغيير وهو حق مشروع. وإذا أسقطنا هذا الواقع على السلطات السورية وحجم الضغوطات الواقعة عليها، فسنخلص إلى نتيجة واحدة فقط وهي عدم قدرة هذا النظام على إحتمال المزيد من الضغوطات الخارجية والتي عزلته بقوة عن العالم الخارجي، مع سيطرة الغرب عن طريق وكلائه على مساحات شاسعة من سوريا وسيطرتهم على مقدرات البلد ومنها البترول. فأصبح النظام أكثر مأزومية وغير قادر على الاستمرار لا داخلياً ولا خارجياً أمام تلك الضغوطات الكبيرة. وتلك كانت من الخطط الممنهجة التي اتخذتها الدول الغربية ضد نظام الأسد لإضعافه.
ثالثاً: حتى لو فرضنا جدلاً بأنه بادر في عمل الإصلاحات السياسة اللازمة لوصل إلى نفس النتيجة، فالمطلوب هو القضاء على النظام الحالي واستبداله في طاقم جديد أكثر تناغماً مع الغرب ومستعد في تقديم التنازلات اللازمة لخدمة المصالح الغربية وخدمة دولة الاحتلال. وهذا ما حصل في دول الجوار في ثورات الربيع العربي. مع العلم أن لا أحد من مؤيدي المعارضة الآن في سوريا يعرف ما هي الخطوة القادمة وما يليها. فالمعارضة التي جاءت بها القوى الغربية غير متجانسة، فهيئة تحرير الشام لا تختلف عن داعش وحتى لو حاولت أن تتحلى بالاعتدال، ولو بشكل شكلي. فسرعان ما سوف تتصارع على الاستحواذ على السلطة في التنافس على التطرف والقمع. فسوف تبدأ بالتخلص من علاقات التحالف الواهية التي تربطهم ببعض. وسيكون ذلك على حساب الوضع الداخلي الآخذ بالتدهور في المجالين الاقتصادي والسياسي. وسيدفع المواطن الثمن. وهنا أتساءل هل المهللين بالنصر الآن يدركون ما سوف ينتظرهم في قادم الأيام؟ أشك بذلك. فقد أعماهم وهم تحررهم من حكم الطاغية كما يقولون، ولكنهم، وياللأسف غير مدركين لما هو قادم؟ ولخدمة من؟ فالمستفيد الرئيسي لسقوط نظام بشار هو دولة الجوار المتربصة بسوريا وشعبها منذ خمسة وسبعون عاماً، كانت فيها سوريا هي الدولة الوحيدة التي تقف سداً منيعاً ودرعاً واقياً ضد مخططاتها التوسعية. وتلك حقيقية لا يختلف عليها إثنين. أما الآن فإنه خلال أقل من 24 ساعة من سقوط النظام، أنتهكت دولة العدو الحدود وتوغلت إلى المنطقة العازلة لأول مرة منذ العام 1974 منذ فض الأشتباك. بل وقصفت العديد من المواقع العسكرية ورفعت علمها على جبل الشيخ على مرأى وسمع قوات المعارضة. فهل هذه المسألة طبيعية بالنسبة للنظام الجديد والمهللين بسقوط النظام الذي كان بالفعل سداً منيعاً أمام غطرسة العدو.
وهنا دعوني أعود مرة أخى لنظرية المؤامرة التي يرددها البعض. والسؤال الذي يطرحه البعض. لماذا تخلت روسيا عن سوريا؟ وأتساءل هل مسألة الصراع في أوكرانيا، هي أهم بكثير من سوريا؟ في واقع الأمر لا تقاس المسائل بهذا الشكل. على أهمية كلا الدولتين بالنسبة إلى روسيا، إلا أن المصالح قد تتفاوت بالنسبة للدول الكبرى. فالمسألة الأوكرانية وحسمها ليست بالأمر الهين لكلا طرفي النزاع الأمريكي والروسي، فحجم أوكرانيا في ميزان الصراع الدولي، أهم بكثير لكلا الدولتين العظميين. ولعل هذا الصراع أهم من سوريا بالإطار العام. ولهذا فلن تقبل الولايات المتحدة أن تعطي لروسيا الغلبة في التنازل والتخلي عن سوريا مقابل موافقة الولايات المتحدة على إنهاء الصراع في أوكرانيا وتقليص الدعم لحكومة كييف. فحسم المسألة السورية مهمة أقليمياً، فيما يخص منطقة الشرق الأوسط. ولكنها لا تساوي كثيراً في الميزان الدولي بالنسبة إلى الولايات المتحدة، خاصة وأن المسائل في الشرق الأوسط محسومة مع دول الجوار في توجهاتها وتحالفاتها. فسوريا في نظرهم واقعة تحت الطوق المفروض عليها، وبالتالي سقوطها هو مسألة وقت يراهن عليها الأمريكي، ولذلك فهي خارج واقع التفاوض. أما بخصوص حسم المعركة في أوكرانيا فأنه يتحتم عليها الخطوة المقبلة في تأجيج الصراع القادم بلا محالة بين الولايات المتحدة والصين. وخاصة مع عودة ترامب إلى الحكم والذي يكن عدائاً سافراً للصين. وبناء عليه تسقط هنا قضية نظرية المؤامرة. ومن ناحية أخرى فلو سقط هذا النظام قبل ثلاثة عشرة عاماً لحكم تنظيم الدولة بدلاً منه. أما الآن وقد أصبح مسؤولي التيارات الإسلامية هم المعارضة فسترينا الأيام إلى أي مدى هم قادرون على حكم سوريا. فما نراه الآن ليس النهاية، بل هي البداية لانهيار الدولة السورية المستقلة.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد