تجارة الموت الرقمية رائجة في دول المغرب

mainThumb

14-05-2025 03:50 PM

يزخر التراث العربي من بين ما يزخر بتراث مميز في التفتيش، وأدبيات الممارسات البوليسية، كما كفاءة المخبرين وتميز خبراتهم، حتى أنها قد تحسب على الصناعات النادرة الواجب حفظها أو تصديرها لمن يحتاجها، خبرات تتجاوز ما تصله الحواس لتفتش في النوايا، القلوب، وتنصب المحاكم، وتعلق المشانق.

رحيل ومحاكم

لا شيء شغل مواقع التواصل الاجتماعي في تونس خلال الساعات الأخيرة غير الرحيل المفاجئ لمغني الراب «كافون». الرجل ذو الحضور الطاغي على وسائل التواصل، كما الأغاني المثيرة للجدل، كان يواصل حياته الرقمية يتفاعل معها محبوه حتى قبل ساعات قليلة من رحيله، ما زاد من تأثر متابعيه. لكن كما عاش، لم يمر رحيله دون أن يتسبب في إثارة الزوابع.
خيم الحزن على العوام والخواص، فنانين، صحافيين، وزارة الثقافة في البلد مواطنون بسطاء نعوا الرجل، أثر الخبر حتى على بلدان مجاورة، كانت تعد محبة كالجزائر، ليبيا، المغرب، بين ترحم، وتجارة الموت الرقمي الرائجة في المنطقة، التي لم تكن لتخطئ هدفها هذه المرة، اشتغل الألغوريتم، استخرج لقاءات الرجل الأخيرة، مقتطفات يحكي فيها رحيلا ممكنا هو الذي عانى من مرض نادر طيلة سنوات، مع موسيقى حزينة المجموع يذهب لأعماق الأعماق ليستخرج شجنا دفينا.
لم يوقف سيل اللطميات غير تأبينة أتاها صحافي إذاعي، أراد أن يمسك العصا من الوسط، ينعى الفنان، ويذكر بسوء عاقبة كل من يسلك طريقه. لم يكد الرجل يفعل حتى انقلب حال وسائط التواصل وتحول الناس من الدعاء للرجل بالرحمة إلى المطالبة بمحاسبة «باسل ترجمان»، صحافي تونسي فلسطيني، حسب ما انتشر، دفع بأصوات للخروج وتأكيد فض العقد، الذي كان يجمعه بالمؤسسة الوطنية، بعد جدالات كثيرة كان الرجل بطلها، وهو يتدخل بحسبهم في شؤون تونسية بحتة لا يحق له الاقتراب منها، هو الأجنبي المحكوم بدوام الغربة.
طالب البعض بإسكاته واسقاط الجنسية عنه هو المحسوب على بعض من يوصفون بعملاء إسرائيل داخل فلسطين حسب رأيهم، آخرون رأوا فيه وجها لحكم السعيد يسيء إليه أكثر ما يفيده. في حين رأى آخرون أنه لم يفهم خصوصية التونسيين لأنه ليس بالتونسي، «لا شرقية ولا غربية، تونسية وفقط» علق البعض على كلام الرجل الذي ربما أساء اغتنام التوقيت مطالبا بجعل رحيل المغني الذي سبق له الحديث عن حياته مع الممنوعات وكيف أثرت عليه، لتكون فرصة لتوعية الشباب. لكن الباب طبعا لم يكن ليوصد، إذ فتح شهية المناوئين «للرجل الذي لم يبرد دمه بعد» ونصب المحاكم شبه إلهية: كان ينشر «الفسق»، أغانيه تحرض على الهجرة غير الشرعية والمخدرات، لم تكن حياته مثالية، لم يكن بالفنان الرائع.

الانترنت مقاه شعبية في الجزائر

ينام الرجل في الجزائر متسائلا عما سيقابل به صباحه. يفتح هاتفه أول ما يقوم، في البلد حيث الألغوريتم من أقواها في العالم، على تريند جديد كل يوم. صارت السوشيل ميديا في الجزائر أشبه بمقهى شعبي، والمقهى الشعبي في الجزائر لا مكان فيه للنساء، لن تجدن حرجا لو قررن طرقه لحاجة طارئة، ولكن يستحيل أن يجلسن ويعشن ما يعيشه الرجال فيه. تناقصت المقاهي الشعبية في الجزائر في السنوات الأخيرة، فضاء الترفيه الأساسي، رغم تعاقب الأجيال، لا لأن حياة الجزائري تدعمت بفضاءات ترفيه بديلة، وإن عرفت نقلة نوعية، فالمقاهي لم تعد «تجيب همها» لأكثر التجار «حرفنة».
هو فضاء رجالي متوارث. الحقيقة أن النساء في الجزائر لم تحاولن اقتحامه، بل بحثن عن فضاءات بديلة للاستهلاك، لشغل الفضاء العام، لتزجية الوقت، وإن كان المقابل أضعافا مما قد يدفعه الرجال. ثم فالتلصص له قواعده، تراثه الشعبي، الذي يجعل النساء يتلصصن من الشبابيك في حين يتلصص الرجال من المقاهي.
قلبت وسائل التواصل الموضوع، أصبح التلصص متاحا للجميع، مادته النساء غالبا، ويكفي دليلا على ذلك عدد المشهورات على وسائط التواصل مقابل نظرائهن من الرجال.
منذ أيام تستعر حرب صور تقسم الجزائر أفقيا، رحاها تدور بين الرجال والنساء هذه المرة، الضرب بدأته النساء بحملة عنونها «صوريه واشكي» (خذي له صورة واشتكي) و»لا للتحرش في الجزائر»، إذ وجدن في هواتفهن سلاحا «ناعما» في وجه ازعاج شوارع فضحت الصور عنفه، تغلغله، سميته، بل قذارته.
عبارات، سلوكيات تنتشر في الفضاء العام، تضطر النسوة لتحملها لم تفاضل بين مدينة وأخرى، سواسية هن الجزائريات في تجرع الذكورية كما يبدو، الأمر الذي دفع ببعضهن لإعادة ابتكار الفضيحة. وكما هو معلوم فقد أعادت وسائل التواصل التأسيس لعقيدتين: الجدل والفضيحة.
هكذا وجد رواد منصة «تيك توك» أنفسهم أمام سيل من الفيديوهات البشعة لما اضطرت لتحمله جزائريات. رغم التعاطف الكبير مع ما لقينه إلا أن الحملة سرعان ما أثار موجة مضادة، لأسباب كثيرة.
المعلوم أن القانون في الجزائر يعاقب وصار أكثر حساسية للجرائم السيبرانية، وهناك ما يكفي من قوانين تعاقب انتهاك الحياة الخاصة للأفراد، هذا ما دفع تيارا من المتفاعلين للتساؤل: «لماذا يتوجهن لتيك توك؟ فليذهبن للشرطة». «يبحثن عن الفضيحة والشهرة»، «يردن قصاصا على مقاسهن»، ذهبت الأصوات «الوسطية». الأكثر ذكورية اتهموا «النسوان» بتذبذب المعايير والانتقائية في تعريف التحرش: «لما لا تلتزمن بيوتهن»، تساءل تيار لا يزال يحلم بحياة على «طريقة باب الحارة»، «لو تسترن لما تعرضن للتحرش»، «على الأولياء ضبط تصرفات بناتهن».
جهابذة القانون اقترحوا معاقبة ضحايا التحرش بإجراء قانوني مضاد وهو دفع القضاء لمحاسبتهن بتهمة التشهير، في حين برز تيار آخر يدعو «لفضيحة بفضيحة» اقترحوا حملة تشهير مضادة ضد كل من يأتين ما يخالف الأعراف، بحثا عن الحرية والحب وكل ما قد يقض معبد النظام الاجتماعي المقدس.

٭ كاتبة من الجزائر



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد