تواصل التلوث

mainThumb

12-08-2025 09:51 AM

القضية مطروحة دائماً: هل تقرأ كاتباً بعد معرفتك بأن حياته الخاصة كانت شديدة الرداءة؟ الأكثرية تقول إن المهم هو النتاج، وليس صاحبه. أنا رجعي تقليدي، ومن أصحاب الرأي الثاني. ليس في إمكاني أن أقرأ إنساناً غارقاً في القرف.

كنتُ معجباً في بدايات القراءة بأعمال سومرست موم، وطوماس مان (الجيل السحري). وصدرت فيما بعد كتب عن سيرتهما الذاتية تثير التقزز. النتاج نفسه لم يتغير، لكن صورة المؤلف على حقيقته لا يمكن فصلها عن عمله. وفي الإمكان أن تمضي حياتك من دون الاطلاع على عملين جميلين كتبهما قلمان بشعان جداً.

منذ انتشار وسائل التواصل، قررت أن هذا عالمٌ لا علاقة لي به. لا بلغته ولا بأخلاقياته، ولا بفظاظاته، وأحقاده، ودناءاته. وبعد التجربة تبين لي أنني أستطيع العيش من دون أن أعرف مستوى هذا الجنس من مواطني، كما استطعت العيش من دون العودة إلى جان جينه، وطوماس مان. هناك مادة للقراءة في هذه الدنيا تكفي لمئات السنين، أصحابها بشر عاديون.

اطلعت مرغماً في الآونة الأخيرة على مقتطفات من حروب وسائل التواصل. وكل مرة أتساءل: هل هذا الرجل (وخصوصاً هذه المرأة)، من بلد واحد وأرض واحدة، وشعب واحد؟ هل قرأنا في الكتاب نفسه، ودخلنا المطعم نفسه، وأنشأنا أبناءنا على الأعراف والتقاليد نفسها؟ أم أن هذه قصة طوماس مان، تتكرر من عصر إلى عصر، بكل اللغات وبكل السقطات البشرية، التي تتحول مع الوقت إلى حياة قاعدتها السقط، ولا يعود أحد يميز بين وسائل التواصل كوسيلة، وبينها كمنهج ونمط حياة.

في الماضي كانت الناس تتحاشى رفاق السوء، وتتجنب الرجل «الذي يفلتّ الكلام، وكانت البذاءة مستنكرةً، والسفه نكيراً. اللغة التي يستخدمها «السوشياليون» الآن تحريض، وقتل، وغرائز، تحمل كهوفها على أكتافها.

المشكلة هنا أننا أمام جماعة، لا أفراداً. جماعات جماعات تتنافس في مباراة تعميق الظلام، ورفع راية العتم، وتقديس العنف، والخراب. تلغي هذه التربية الملوثة مفاهيم الكرامة البشرية، وتسطح المسافة بين البطولة والجريمة. ولا تعود تعرف طوماس مان... من طومان مان!



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد