تطور التكنولوجيا المالية في الأردن

mainThumb

31-05-2025 02:16 AM

تطور التكنولوجيا المالية في الأردن 2024: بين التقدّم الوطني والمقارنة الإقليمية

شهد قطاع التكنولوجيا المالية في الأردن تطورًا لافتًا خلال عام 2024، في ظل التزام الدولة بتعزيز الشمول المالي وتوسيع رقعة التحول الرقمي، وقد سجلت أنظمة الدفع الرقمية معاملات بلغت قيمتها 27.35 مليار دينار أردني خلال الأشهر الإحدى عشر الأولى من عام 2024، بزيادة نسبتها 53% عن الفترة نفسها من عام 2023، ما يعكس اتساع نطاق استخدام هذه الأدوات بشكل غير مسبوق.

جزء كبير من هذا النمو يُعزى إلى انتشار نظم المدفوعات الفورية مثل "كليك" و"إي-فواتيركم" و"جوباي"، حيث سجّلت هذه الأنظمة وحدها معاملات بقيمة 22 مليار دينار في الأشهر التسعة الأولى من عام 2024، أي بزيادة قدرها 54% عن العام السابق، وارتفع عدد المعاملات عبر أنظمة الدفع التابعة لشركة JoPACC بنسبة 77.2%، ليصل إلى 224.62 مليون معاملة، مقارنة بـ 126.87 مليون في عام 2023، هذه المؤشرات تضع الأردن على خارطة الاقتصادات التي تسير بخطى حثيثة نحو مجتمع غير نقدي.

غير أن الشمول المالي، وإن أحرز تقدمًا ملموسًا، ما زال يواجه تحديات بنيوية، فقد ارتفعت نسبة امتلاك الحسابات المصرفية من 25% عام 2014 إلى 47.1% في عام 2021، لكن هذه النسبة لا تزال دون المتوسط العربي الذي تجاوز 53% في بعض الدول المجاورة، وتتجلّى الفجوة بوضوح في الفئات المهمّشة، إذ تشير بيانات عام 2024 إلى أن امتلاك النساء للحسابات المصرفية في الأردن لا يتجاوز 27%، مقارنة بـ35% كمتوسط إقليمي.

وعند مقارنة التجربة الأردنية بنماذج إقليمية ناجحة، نجد أن مصر استطاعت رفع نسبة الشمول المالي إلى 64.8% بحلول نهاية 2023، مدفوعةً بسياسات حكومية داعمة وتوسّع هائل في المحافظ الرقمية، التي تجاوز عددها 30 مليون محفظة نشطة، كما أن البنك المركزي المصري أطلق مبادرات لتكامل التعليم المالي مع المناهج المدرسية، أما الإمارات، فقد أنشأت بيئة تنظيمية مرنة، عبر "المناطق التجريبية التنظيمية" (Regulatory Sandboxes)، مما جذب استثمارات تكنولوجية كبيرة، وأتاح نماذج ابتكارية تشمل التمويل الجماعي والتأمين الرقمي.

أما في الأردن، فقد أسفرت البيئة الداعمة للابتكار عن وجود نحو 95 شركة ناشئة في قطاع التكنولوجيا المالية، منها 23 شركة حصلت على تمويل، و5 منها وصلت إلى جولات تمويل من الفئة A أو أعلى، وجذبت هذه الشركات مجتمعة تمويلًا تجاوز 246 مليون دولار بين عامي 2018 و2022، مما يضع الأردن في المرتبة الرابعة عربيًا في حجم تمويل رأس المال المغامر.

البنك المركزي الأردني لعب دورًا محوريًا في دعم هذا القطاع، من خلال إطلاق الاستراتيجية الوطنية للشمول المالي 2023–2028، تهدف إلى رفع نسبة الشمول المالي إلى 65% بحلول عام 2028، فضلًا عن تحديث الأطر التنظيمية لحماية المستهلك، وتحفيز الابتكار ضمن ضوابط دقيقة، ومع ذلك، لا تزال هناك فجوة بين التقدم التقني والتبني الفعلي لدى شرائح واسعة من المواطنين، خاصة في المناطق الريفية وبين النساء والشباب غير العاملين.

لردم هذه الفجوة، تُوصى السياسات العامة في الأردن بالتركيز على رفع الثقافة المالية الرقمية، وتقديم حوافز ضريبية وتنظيمية للشركات الناشئة، وتوسيع الشراكات بين القطاعين العام والخاص لتشمل الجامعات ومراكز الابتكار، إضافة إلى توسيع التغطية البنكية والإنترنت في المناطق الطرفية.

خلاصة القول، يمتلك الأردن كل المقومات ليصبح لاعبًا إقليميًا في مجال التكنولوجيا المالية، لكن النجاح يتطلب تكاملًا بين الإرادة السياسية، والتحوّل المؤسسي، والتوسّع الشامل الذي لا يستثني أحدًا، ففي اقتصاد المستقبل، ستكون العدالة الرقمية والتمكين المالي محوريين ليس فقط للنمو، بل للاستقرار الاجتماعي أيضًا.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد