عيد الأضحى

mainThumb

11-06-2025 02:38 AM

للأعياد في المغرب الكبير نكهات خاصة، عدا الشعائر، وما راكمه الوجود البشري من مظاهر، ودعمته المؤسسات المجتمعية الممتدة منذ قرون، فهو غالبا قرين للفرح، وشيء من الراحة. أما السنة فجاء «خاصا».

تونس: غلاء فاحش

ما كادت أول أيام عطلة العيد «الكبير» تنقضي في تونس حتى عجت مواقع التواصل الاجتماعي بالمنشورات الغاضبة والسبب غلاء سرق فرحة التونسيين.
الحقيقة أن أسعار الأضاحي ليست الوحيدة التي أرقت المواطن التونسي، الذي قصمت هزات الاقتصاد المتكررة ظهره، منذ أزيد من عقد، بل حلقة من سلسلة طويلة، جعلت التضخم يأتي على تفاصيل الحياة التونسية التي تؤثث لها مظاهر فرح كثيرة على رأسها أطايب الأكلات.
لكن عيد هذه السنة رافقته أزمة «علوش» كبيرة، تحولت لترند على الشبكات الاجتماعية. أضحية تحتاج «استراتيجية توفير واحتياط» هذا ما كرره كثر بعد أن بلغ سعر الأضحية 1200 دينار تونسي ما يعادل الأربعمئة دولار، في بلد لا يتعدى متوسط الدخل الثلاثمئة دولار في أحسن الأحوال.
موجة سخط اجتاحت رواد الشبكات الاجتماعية مطالبين بفتح تحقيق في التطمينات التي ساقتها مؤسسات وصية على القطاع الفلاحي، والتي أكدت وجود ثروة حيوانية معتبرة في البلاد تمنع التفكير في الاستيراد كحل بديل. «أين وزارة التجارة؟ أين وزارة الفلاحة؟» كان تعليقا من بين كثر تكررت على مختلف المناشير الافتراضية، «يجب محاسبة اتحاد الفلاحين»، غياب الرقابة هو ما تسبب في هذا الغلاء». البعض علق على جشع المربين الذين بحسبهم استغلوا مناسبة مهمة ليغتنوا، ادعاءات فندتها حسابات كثيرة، «تعالوا انظروا الظروف التي نعمل بها طوال السنة»، «لا نملك كهرباء ولا تكييفا»، «ترتاحون في بيوتكم طوال السنة بينما نعمل في ظروف قاسية، وتريدون أضاحي رخيصة؟»، كانت جزء من تعليقات مضادة.
التنكيت سمة لا تفارق التونسيين الذين ذهب بعضهم لاقتراح مشاريع بديلة تساعد التونسي على خلق حلول جذرية لمشكلات تتكرر كل أضحى كاستحداث «مشاريع كراء أضاحي»، تساعد التونسي في حفظ وجاهة اجتماعية متوارثة، تعد شعيرة النحر أحد مظاهرها، كما تدفع عجلة للعرض والطلب ومناصب الشغل التي ستوفرها.

الجزائر: أهو طيب؟

عيد الأضحى مختلف هذا الموسم في الجزائر، الأسباب كثيرة على رأسها استيراد ماشية من بلدان قريبة وأخرى بعيدة. كان الإعلان عن القرار قد شغل مواقع التواصل الاجتماعي في البلاد منذ أعلن عنه قبل أشهر.
والحقيقة أن علاقة الجزائري بالاستيراد غريبة، إلى غاية وقت قريب كان هو كلمة السر في الاستهلاك قبل أن تتغير الأمور لصالح استراتيجية جديدة تعزز مكانة المنتج الوطني، لكن ورغم الاستيراد الكبير الذي كان يميز ثقافة الاستهلاك في البلاد إلا أن استيراد رؤوس الماشية ظل غائبا، عكس استيراد اللحوم الذي تنوع عبر السنوات، واختلف تعاطي الجزائري البسيط معه، بين «تساؤلات» حول «حلاله وحرامه» تارة، وحول المذاق أحيانا الذي «يستحيل أن يعادل» المنتج الوطني بحسب كثر.
هكذا وجد الجزائريون أنفسهم أمام أضاحي «متعددة المنشأ» رؤوس غنم استقدمت من اسبانيا، وأخرى من رومانيا، أثارت التعجب والتساؤل، حول شكلها، قدرتها على تحمل مناخ البلاد ثم حول جودة لحومها، شغلت رواد مواقع التواصل الاجتماعي طيلة عطلة «العيد الكبير».
«كبش قاصر»، «حذار من إخراجه من البيت، لن يتحمل مناخنا»، «أفضل من أغنامنا»، «تنقصه بعض الأعضاء؟»، «تم التلاعب بإعداداته»، كانت بعضا من تعليقات كثيرة بعضها ساخر وبعضها مطمئن حول الكائنات التي لم يسبق لأغلب الجزائريين رؤية مثيل لها. أصحاب الوطنية الاستهلاكية المفرطة علقوا «لا سلالة تعلو فوق سلالات بلادنا»، «كباشنا هي الأجود».
الأكثر عقلانية ذكروا بظروف التضحية: «كلها أضاحي لله»، «يبدو أنكم نسيتم المناسبة التي دفعتكم إلى التضحية»، «على الأقل سنحتفل بأثمان معقولة»، والأثمان المعقولة وإن كانت هي السبب في استيراد العدد الكبير من المواشي والذي عادل المليون رأس بحسب تقارير رسمية، إلا أنها لم تمنع ارتفاع أسعار الماشية المحلية، التي تضاعفت أثمانها خصوصا خلال الساعات الأخيرة التي سبقت العيد، والتي أثارت سخط كثر ممن لم يتمكنوا من تحصيل «كبش أجنبي»: «تجار فجار»، «صهاينة»، «حرمونا من إحياء شعائرنا».

المغرب: سري.. للغاية

للمغاربة بدورهم طقوس خاصة في الاحتفال بعيد الأضحى، إن كانت تشترك في ملامح كثيرة مع دول الجوار، إلا أنها شذت السنة عن عادتها، بعد قرار حظر النحر الذي أتخذه ملك البلاد قبل أشهر، حماية للثروة الحيوانية التي أثر فيها الجفاف وغيره من تبعات لأزمات المناخ، كما للظروف الاقتصادية التي منعت سلطات البلاد من اتخاذ إجراءات بديلة كاللجوء للاستيراد. قرار إلغاء التضحية والذي لن يكون الأول من نوعه في البلاد، بل عاشه المغاربة مرات عديدة، عرف تعاطيا خاصا على مواقع التواصل الاجتماعي، بين الاستياء من غلق أسواق المواشي التي تؤثث لليومي المغربي حتى خارج الأعياد، إلى الرقابة الكثيفة والمشددة، والتي وصلت حد مصادرة الرؤوس بالنسبة لأكثر المواطنين جرأة، بل ارسال أعوان أمن متخفين للتأكد من تطبيق القرار الملكي. فيديوهات وصور تجاوز التفاعل معها المملكة الشريفة إلى بلدان مجاورة كالجزائر وتونس.
القرار لم يمنع المغاربة من ممارسة طقوسهم وإن بالحد الأدنى، وانتشرت موجة تنكيت وسخرية على مواقع التواصل الاجتماعي بين كثر ممن تمكنوا من تحضير أطباق تقليدية وطنية رغم الحظر: «قررنا الاحتفال بعقيقة الوالد، ولد زمن الحرب لم يتمكن والده يومها من إعلان فرحه»، «حفل ختان في بيتنا»، «قررنا تزويج أخي»، كانت بعضا من تعليقات كثيرة رافقت صور «بولفاف» (طبق تقليدي ينتشر في المنطقة المغاربية عامة، ويميز أول أيام عيد الأضحى في المملكة المغربية). مباشرة من بيوت مغربية كثيرة.

كاتبة من الجزائر



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد