التصعيد الإيراني الإسرائيلي يهدد الاقتصاد العالمي

mainThumb

15-06-2025 11:08 PM

في لحظة مشتعلة من تاريخ المنطقة، خرج التصعيد الإيراني الإسرائيلي من الظلال إلى العلن، مع ضربات متبادلة طالت المفاصل الاقتصادية الحساسة في كل من إيران وإسرائيل. لم تعد الحرب رسائل تحذيرية، بل تحولت إلى معركة بنية تحتية وموارد، تلقي بثقلها على أسعار الطاقة والمعادن والأسواق العالمية، وتفتح أبواب التساؤل حول قدرة الاقتصادات على تحمّل موجة جديدة من عدم اليقين.

قفزت أسعار النفط بنحو 14% فور إعلان الضربات، في استجابة فورية لمخاوف تعطّل الإمدادات، خاصة مع تهديد الملاحة في مضيق هرمز وباب المندب. الذهب، كالعادة، لعب دور الملاذ الآمن فصعد بأكثر من 3.2%، في وقت بدت فيه شهية المخاطرة ضعيفة لدى المستثمرين. العملات المشفّرة، من جهتها، أظهرت تباينًا واضحًا: إذ تراجع البيتكوين بنسبة طفيفة (أقل من 0.5%)، بينما خسر الإيثيريوم أكثر من 4%، في مؤشر على هشاشة الثقة تجاه الأصول التقنية مقارنةً بالمخزونات القيمة.

لكن الضربة الأهم لم تكن على الأرض فحسب، بل في قلب الأسواق المالية. في إسرائيل، تعرضت منشآت الطاقة في خليج حيفا لقصف مباشر، بما في ذلك مصفاة "بزان" التي أعلنت تضررها رسميًا، وتضررت مرافق حيوية في تل أبيب والقدس. في المقابل، استهدفت إسرائيل البنية التحتية في غرب إيران، بما في ذلك موانئ ومصافي نفط ومحطات كهرباء، ما تسبب بانقطاعات واسعة. تكاليف الدفاع الإسرائيلية المرتفعة مقابل رخص أدوات إيران الهجومية (مثل الطائرات المسيّرة والصواريخ القصيرة المدى) تطرح أسئلة وجودية حول اقتصاد الحرب الدفاعية وجدوى الاستنزاف طويل الأمد.

تفاوتت ردود فعل الأسواق العالمية، حيث كانت الأسواق العربية الأكثر تأثرًا. فقد تجاوزت الخسائر 4% في بورصات مثل مصر والسعودية وقطر ودبي، بسبب القرب الجغرافي، والانكشاف الكبير على التجارة والطاقة، وهشاشة الهياكل المالية في مواجهة الصدمات. في المقابل، تراجعت الأسواق الأوروبية والأمريكية بنسب معتدلة (بين 1% و2%)، بينما أبدت الأسواق الآسيوية مرونة نسبية، حيث لم تتجاوز خسائرها 1%.

هذا التباين يُفسَّر بدرجة جاهزية كل سوق. فالأسواق الأوروبية والأمريكية تتمتع بشبكات متكاملة من الدعم اللوجستي، وتنسيق مؤسسي متقدم، وقدرات استجابة مرنة. على النقيض، تعاني الأسواق العربية من فجوة في البنية التحتية، وضعف التنسيق الاقتصادي الإقليمي، وغياب مظلة أمن اقتصادي جماعي. هذه الحرب الاقتصادية تُعيد التذكير بالحاجة إلى بناء منظومة عربية موحدة للطوارئ والإمداد، بدلًا من الاكتفاء بالاعتماد على الأسواق الدولية في الأزمات.

التأثيرات لم تتوقف عند الأسواق فقط، بل بدأت تطال سلاسل الإمداد العالمية. التهديدات لممرات استراتيجية مثل قناة السويس وباب المندب ومضيق هرمز قد تعيد رسم خريطة الشحن البحري والتجاري، وتدفع شركات الشحن لإعادة تسعير المخاطر، مما يرفع التكاليف ويؤخر التسليمات. في بيئة كهذه، ستكون الدول الأقل اعتمادًا على الخارج والأكثر مرونة لوجستيًا هي الأقدر على الصمود.

على صعيد السياسة النقدية، تتجه الأنظار إلى البنوك المركزية العالمية، التي تواجه معضلة متجددة: التضخم المدفوع بأزمات الطاقة من جهة، والرغبة في الحفاظ على معدلات النمو من جهة أخرى. من المرجّح أن يعيد هذا التصعيد الضغط على صناع القرار لرفع أسعار الفائدة أو الحفاظ على سياسة نقدية متشددة لفترة أطول.

في هذا السياق، من المنطقي أن نتساءل: هل أصبحت هذه الحرب مقدّمة لإعادة ترتيب التحالفات الأمنية والاقتصادية في المنطقة؟ فالدول التي تدرك أن الأزمات لا تُدار فرديًا، بل عبر اتفاقات إمداد وتأمين جماعي وتأهب مبكر، ستكون الأقدر على حماية شعوبها واقتصاداتها من تداعيات ممتدة.

في الختام، ما نراه ليس مجرد تصعيد عسكري تقليدي، بل اختبار هيكلي لمنظومات الاقتصاد، والحوكمة، والتكامل الإقليمي. الربح في هذه المعركة لن يُقاس بعدد الطائرات المسيرة، بل بقدرة الدول على الاستمرار والإنتاج تحت الرماد. إنها لحظة فاصلة تعيد تعريف معنى الأمن: لم يعد أمنيًا فقط، بل غذائي، طاقوي، ولوجستي... بلغة أخرى: سيادي.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد