الأردن وسوق العمل الإقليمي

mainThumb

22-06-2025 01:23 AM

في ظل التغيرات المتسارعة التي يشهدها سوق العمل الإقليمي، تقف المملكة الأردنية الهاشمية أمام فرصة نادرة لإعادة تموضعها كرافعة بشرية متقدمة في محيطها، ويأتي دليل الرواتب السعودي لعام 2025، الصادر عن Michael Page، كمرآة صريحة تكشف مكامن النقص والفرص في السوق السعودي، والتي يمكن للأردن قراءتها بعمق وتحويلها إلى مصلحة وطنية.

أظهر التقرير أن السعودية، رغم ارتفاع معدلات التوظيف الإجمالية إلى 97%، لا تزال تعاني من نقص حاد في الكفاءات الفنية، إذ أشار 50% من أصحاب العمل إلى صعوبة إيجاد متخصصين مؤهلين، خاصة في مجالات الذكاء الاصطناعي، والطاقة المتجددة، والحوكمة الرقمية، هذا النقص لا يجب أن يُقرأ كضعف سعودي، بل كدعوة للأردن للتمركز في هذه الفجوات، من خلال تطوير مسارات تعليمية متخصصة وسريعة في هذه القطاعات.

الطلب المتزايد على تخصصات دقيقة مثل مهندسي الطاقة الشمسية، والرياح، والكربون، والحفر، وعلوم البيانات، يشير إلى تحول في خارطة أولويات الخليج، ويمكن للأردن أن يستثمر موارده البشرية، وجامعاته الرصينة، ليُصدر الكفاءات إلى هذه القطاعات، خاصة إذا ما رافق ذلك برامج تدريب وشهادات مهنية مشتركة مع جهات خليجية.

أبرز ما يلفت في التقرير أن 77% من الشركات السعودية زادت عدد موظفيها، و79% تتوقع رفع الرواتب في 2025، مما يدل على بيئة عمل جاذبة، لكن هذه الديناميكية الاقتصادية تصطدم بندرة الكفاءات، ما يجعل الأردن – كمصدر تقليدي للمهارات – أمام نافذة ذهبية لتوسيع حضوره في الخليج ضمن عقود احترافية تحفظ الكرامة وتضمن التطوير المهني.

في قطاع الخدمات المالية، هناك طلب واسع على خبرات في التخطيط المالي، وتحليل البيانات، والامتثال، برواتب تصل إلى 250 ألف ريال شهريًا، هذه الأرقام تكشف عن فجوة هائلة يمكن سدها عبر تأهيل كوادر أردنية مهنية وإدارية تتقن الجانب الرقمي والتقني في الوظائف المالية الحديثة.

أما في قطاع الرعاية الصحية والصناعات الدوائية، فإن النقص في الكفاءات التنظيمية والتسويقية والطبية المتخصصة يفتح الباب أمام الأردن، الذي يمتلك بنية صحية متقدمة نسبيًا، لتصدير الخبرات أو حتى توطين استثمارات مشتركة تخدم السوقين معًا.

وفي مجالات الهندسة والبناء والاستدامة، خاصة في مشاريع كبرى مثل نيوم والقدية، لا تزال السعودية تعتمد على الكفاءات الخارجية، وهو ما يمكن أن يشكّل سوقًا دائمًا للمهندسين الأردنيين متى ما توفرت برامج تجهيز فعالة وشهادات مهنية دولية تواكب المتطلبات الخليجية.

من هنا، يُصبح على الأردن أن يتعامل مع هذه المعطيات ليس كمُشاهد بل كمُخطط، المطلوب اليوم ليس فقط تصدير الأفراد، بل بناء سياسة وطنية ذكية لتسويق رأس المال البشري الأردني في أسواق العمل الإقليمية، خاصة في التخصصات التي تشهد فجوات واضحة.

وانطلاقًا من هذا التحليل، نوصي بتأسيس برنامج وطني متخصص يُدار عبر لجنة مختصة أو صندوق مشترك بين القطاعين العام والخاص، ويهدف إلى تأهيل وتصدير الكفاءات الأردنية في القطاعات ذات الأولوية الإقليمية: الطاقة، والتكنولوجيا، والتحول الرقمي، والصناعات الدوائية، يتضمن هذا البرنامج شراكات مع مؤسسات تدريب دولية، ومنصات إلكترونية لتسويق المهارات الأردنية، وحوافز للمؤسسات التعليمية والمهنية التي تنجح في تخريج كوادر قابلة للتوظيف في الأسواق الإقليمية، ويكون هذا المشروع مظلة استراتيجية لتوجيه السياسات التعليمية، والتدريبية، والتصديرية ضمن رؤية اقتصادية تُحوّل التحديات الإقليمية إلى مكاسب وطنية.

إن تحديات السعودية في التوظيف ليست نقطة ضعف، بل فرصة استراتيجية للأردن، إذا ما أحسن البناء عليها ببرامج وطنية تجمع بين التأهيل، والشراكة، والتخطيط بعيد المدى، فيتحول التحدي الخليجي إلى مكسب أردني.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد