مواءمة التعليم الجامعي مع متطلبات القطاع المصرفي: الفجوة والتحدي

mainThumb

06-08-2025 05:32 PM

تواجه مؤسسات التعليم العالي تحديات متزايدة في ردم الفجوة بين مخرجاتها الأكاديمية ومتطلبات سوق العمل، خصوصًا في القطاعات الحيوية كالقطاع المصرفي، الذي يتسارع تطوره بفعل الرقمنة والذكاء الاصطناعي. ويبدو واضحًا أن المواءمة لا تزال جزئية، وتحتاج إلى إصلاحات عميقة تشمل المناهج، طرق التدريس، والتكامل مع القطاع الخاص.

من أبرز مظاهر هذه الفجوة، أن المهارات الأساسية التي يتطلبها العمل المصرفي الحديث – كإجادة التحليل المالي، استخدام برامج مثل Excel، الإلمام بقواعد البيانات، وفهم تكنولوجيا المالية (FinTech) – لا تزال غائبة أو سطحية في كثير من البرامج الجامعية. فالتركيز الأكاديمي لا يزال منحصرًا في المساقات النظرية والمعرفية دون تطوير حقيقي للجانب العملي.

تتجلى فجوة حقيقية في ضعف تفاعل أعضاء هيئة التدريس في كليات الأعمال مع مواد الذكاء الاصطناعي، والرفمنة، وتكنولوجيا المالية. ويرجع ذلك في كثير من الحالات إلى التكوين الأكاديمي التقليدي لهم، أو إلى نقص فرص التطوير المهني المتاحة لهم، مما يُنتج طلابًا يحملون معلومات نظرية، لكنهم يفتقرون للأدوات التقنية الحديثة المطلوبة في البنوك والشركات المالية.

في الوقت نفسه، يواجه الطالب نفسه تحديًا آخر، حين يُطلب منه دراسة مساقات تكنولوجيا معلومات أو قواعد بيانات في بيئة غير مهيأة لتكوينه السابق، خصوصًا من يأتي من خلفيات أدبية أو نظرية بحتة. فتُقدَّم له مساقات برمجية وتقنية بلغة جافة، وبتسارع كبير، دون أن تترافق مع تدريب عملي ممنهج أو توضيح للصلة المباشرة بينها وبين العمل المصرفي.

إن إحدى المشكلات الجوهرية هي أن المناهج الحالية ما زالت تركز بشكل مفرط على المحتوى النظري، فيما تُهمل الجوانب المهارية والتطبيقية. وفي هذا السياق، يقع على هيئة اعتماد مؤسسات التعليم العالي واجبٌ وطني بأن تُعيد النظر في معاييرها، وتُلزم البرامج المالية والمصرفية بزيادة نسبة المحتوى التطبيقي إلى ما لا يقل عن 40%، تشمل التدريب على Excel، قواعد البيانات، النمذجة المالية، ومبادئ الذكاء الاصطناعي.

وحتى يخرج الطالب من الجامعة وهو مستعد وظيفيًا، لا بد من إنشاء شراكات هيكلية مع القطاع المصرفي، تتجاوز الاستضافة أو التدريب الصيفي. يجب أن تتحول كلية الأعمال إلى منصة تشاركية، تضم ممثلين دائمين من البنوك، يشاركون كضباط ارتباط في تطوير المناهج وتقييمها وتوجيه مشاريع التخرج.

وفي هذا الإطار، من الضروري أن تفرض جمعية البنوك في الأردن على البنوك العاملة في السوق إنشاء حاضنات مالية داخل الجامعات، تُديرها فرق مشتركة من الأكاديميين والمهنيين، تُشرف على تدريب الطلبة، وتُقدم برامج تأهيلية حقيقية تدمج بين التعليم الجامعي ومتطلبات السوق.

إن توجيه مشاريع التخرج نحو مشكلات واقعية في القطاع المصرفي سيمنح الطالب شعورًا بالمسؤولية، ويُعزز قدراته التطبيقية، كما أنه سيُنتج مخرجات بحثية تفيد البنوك نفسها. وهنا، يمكن للبنوك أن تُكافئ المشاريع المتميزة بالاحتضان أو التوظيف المباشر.

أخيرًا، المطلوب ليس فقط تطوير المناهج أو تحديثها، بل تغيير فلسفة التعليم الجامعي نفسها، لتتحول من منظومة تلقين إلى منظومة إعداد وتمكين. حينئذ فقط يمكن سد الفجوة بين ما يُدرَّس وما يُطلب، وبين حلم الطالب وفرص السوق، وبين طموح الجامعات وحاجة الوطن.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد