حلم ترامب المُخيف
الأسماء والرموز والمصطلحات التي تستخدمها الدول، ليست مجرد تحديث شكلي، أو ترف لغوي، بل هي أداة استراتيجية تعكس رؤية الدولة لنفسها وللعالم، ومنصّة رسائل إلى الداخل والخارج. فلم يكن مثلا تغيير الفلبين بالجزء الخاص بها من المياه المتنازع عليه في بحر الصين الجنوبي، إلى اسم «بحر الفلبين الجنوبي»، ترفا لغويا، بل هو تغيير ذو دلالة سيادية بالدرجة الأولى، وكذلك فعلت إندونيسيا بتسميتها الجزء الخاص بها بـ»بحر ناتونا الشمالي.
وعندما تقوم دولة الاحتلال بتغيير أسماء المدن والأحياء الفلسطينية بمسميات عبرية، فإن التغيير يحمل دلالات هوياتية، تتعلق بطمس معالم التاريخ والوجود الفلسطيني، وتعزيز الحق اليهودي المزعوم.
لعلنا من خلال هذا التمهيد، نستطيع الدخول إلى قراءة الأخبار المتداولة إعلاميا حول تصريح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب برغبته في تحويل اسم وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) إلى اسم وزارة الحرب. «لا أريد أن تكون وزارة الدفاع فقط.. نريد الدفاع، ولكننا نريد الهجوم أيضا»، بذا صرّح ترامب الذي لا يجعل العالم يلتقط الأنفاس إزاء تصريحاته وقراراته ورؤاه المثيرة للجدل منذ توليه رئاسة الولايات المتحدة. ترامب لا يستحدث مسمى جديدا، لكنه يعيد المسمى القديم، فـ»وزارة الحرب» هو الاسم المصاحب لإنشاء هذه المؤسسة عام 1789، واحتفظت بهذا المسمى إلى عام 1947، بعد خروج الولايات المتحدة من الحرب العالمية الثانية كقوة عظمى، ورؤيتها الجديدة في ملاءمة اسم المؤسسة لمناخ أعقاب الحرب، والمسؤولية تجاه رعاية السلم العالمي والتحالفات الدولية، فبدأت بقانون يوحد الجيش والبحرية والقوات الجوية تحت اسم المؤسسة العسكرية الوطنية، ثم انتهت إلى تعديل القانون عام 1949، ليصبح اسم «وزارة الدفاع» هو الاسم الذي حملته هذه المؤسسة العسكرية إلى اليوم.
ما يسعى إليه ترامب، يعكس تحوّلات عميقة في الخطاب السياسي، وتبني عقيدة عسكرية أكثر عدوانية، بعيدا عن الالتزام بالمؤسسات الدولية، واعتماد الرؤية الهجومية الاستباقية، وإضفاء الطابع الشرعي على استخدام القوة في تحقيق المصالح الأمريكية بشكل واضح دون مواربة، ودون الحاجة إلى تبرير التحركات العسكرية. وفي حال اعتماد هذه الرغبة الترامبية بشكل رسمي، فإن هذا سيكون بمثابة تغيير جذري في القيم الأمريكية (المُعلنة)، حيث تتحول من دولة تدافع عن النظام العالمي وتحميه (وفقا للدعاية الأمريكية)، إلى دولة تحارب خارج الحدود من أجل تحقيق التفوق. هذا التوجّه الترامبي يخطب به الرئيس الأمريكي ودّ قاعدته الشعبية من المتشددين القوميين والمحافظين، الذين يرون في ذلك استعادة للعظمة الأمريكية، ورمزا لهيبة الدولة، فهذه القاعدة تؤمن بحتمية القتال حتى تبقى أمريكا عظيمة، وهذه التعبئة يمكن أن تمنح ترامب المبرر للسياسات الأمنية والقمعية. ولا شك أن هذا التوجّه سيلقى القبول، بل الترحيب من قبل القاعدة الانتخابية العريضة، التي يمثلها الإنجيليون، تلك الطائفة المعنية برعاية التفوق الإسرائيلي في المنطقة لأسباب عقدية، لأن هذا التحول في العقيدة السياسية والعسكرية في الولايات المتحدة، سوف يكون غطاء جيدا للعربدة الإسرائيلية في فلسطين ومحيطها، حين يسير الجانبان الأمريكي والإسرائيلي في خطين متوازيين من العدوانية، فيمنع، أو يحد من انتقاد دولة الاحتلال في كل تحركاتها الهمجية.
حال تقنين هذه الرغبة الترامبية، المصحوبة حتما بتحولات جذرية في العقيدة العسكرية، سوف تثير القلق لدى الحلفاء والخصوم معا. فالحلفاء سيكونون قلقين من تحول الشراكات الاستراتيجية بينهم وبين الولايات المتحدة، إلى لغة سطوة وفرض سيطرة من الجانب الأمريكي، وأما الخصوم، فلا شك أنهم سيرون في هذا التغيير نوايا للتصعيد الأمريكي، ما يترتب عليه إعادة التموضع الدفاعي أو الهجومي لهذه الدول. أول المتضررين من هذا التحول الأرعن، هو المنطقة العربية، التي ارتبط كثير من دولها بشراكات وتفاهمات ودبلوماسية مرنة مع الجانب الأمريكي، فحتما سوف تصطدم بالعقيدة الترامبية القائمة على الهيمنة، وعدم التبرير في كل ما يخدم المصالح الأمريكية. من المتوقع كذلك أن يثار القلق لدى دول الاتحاد الأوروبي، الذي سيتأكد لديه صدق تلويحات ترامب بسحب قواته من الناتو، والتنصل من الالتزام بالمعاهدات الدفاعية، أو خفض الدعم المالي، مع تشكيكه المستمر في جدوى هذا التحالف.
الخطورة الكبرى التي سوف تهدد أمن العالم، هي ردود الأفعال المتوقعة لدى الدول الكبرى الأخرى كالصين وروسيا، حال تبني ترامب سياسة دولية أكثر عدوانية، لأن هذه الدول لن تجد بديلا عن الانخراط في ماراثون جديد للتسلح، وتعزيز قوة الردع، كما أن هذه الدول ربما تقوم بالتصعيد في محيطها، خاصة في بؤر النزاع، والذريعة موجودة، أن أمريكا لم تعد شريكا في الحفاظ على السلم العالمي. ويبقى السؤال الأهم: هل سيتم بالفعل تمرير هذا الحلم الترامبي في الداخل الأمريكي؟
على الرغم من كوْن هذا الحلم جذابا للإنجيليين والقوميين المتشددين الذين يمثلون عماد القاعدة الانتخابية لترامب، إلا أن العقبة الكؤود التي يمكن أن يصطدم بها ترامب هي البنتاغون نفسه، إذ أن هذه المؤسسة تقوم على توازنات دقيقة بين أجنحة قوية، القيادات الميدانية، ومستشاري الأمن القومي، والعناصر التي تمثل المصالح الاقتصادية، وكلها أجنحة لها توجهاتها. وربما أدى هذا التوجه المحتمل للولايات المتحدة إلى انقسامات حادة في البنتاغون، الذي يرى بعض أو كثير من رموزه حتمية أن تكون القوة العسكرية جزءا من استراتيجية عامة تشمل عناصر أساسية من بينها التحالفات والدبلوماسية.
قد يرى البعض محتوى هذه السطور ضربا من التهويل والتضخيم، لكن الأحداث الجسام المتسارعة المتلاحقة المفاجئة أيضا، تلزمنا بعدم تجاهل أي تفصيلة في الخطابات السياسية لهذه الدول ذات النزعة الاستعمارية الإمبريالية، التي تلقي الكلمة، ولا نلقي لها بالا، ثم نفاجأ بأن الكلمة قد تحولت إلى واقع مرير.
كاتبة أردنية
تطبيق نظام فهرسة المعلومات بالمؤسسات الحكومية
برشلونة يكتفي بالتعادل مع مضيفه رايو فايكانوفي
صور تثير التكهنات حول استشهاد محمد السنوار بغزة
هزة أرضية بقوة 4.6 ريختر تضرب مدينة شهداد بإيران
الاحتلال يطلق 5 قنابل مضيئة في القنيطرة
هل تكفي لعبة الأرقام لإنقاذ الاقتصاد
ظهر بفيديوهات .. القبض على شخص استعرض بالسلاح والتشحيط
خطة إسرائيلية لسيادة جزئية بغور الأردن من الجانب الفلسطيني
دعوة لمواطنين بتسديد مستحقات مالية مترتبة عليهم
آلاف الأردنيين مدعوون للامتحان التنافسي .. أسماء
تفاصيل مقتل النائب السابق أبو سويلم ونجله
مثول عدد من الأشخاص بينهم النائب اربيحات أمام مدعي عام عمان
تنقلات في وزارة الصحة .. أسماء
وظائف حكومية شاغرة ودعوة للامتحان التنافسي
أول رد من البيت الأبيض على أنباء وفاة ترامب
عمّان: انفجار يتسبب بانهيار أجزاء من منزل وتضرر مركبات .. بيان أمني
رسمياً .. قبول 38131 طالباً وطالبة بالجامعات الرسمية
النواب يبحثون إنهاء عقود شراء الخدمات الحكومية
الأردن يبدأ تطبيق الطرق المدفوعة نهاية 2025
قبل صدور نتائج التوجيهي اليوم .. تعرّف على كيفية حساب المعدل