«قوة الاستقرار الدولية» في غزة امتحانٌ عَسير

«قوة الاستقرار الدولية» في غزة امتحانٌ عَسير

17-12-2025 01:34 AM

لا شيء معلوماً إلى حد الآن على وجه الدقة في خصوص «قوة الاستقرار الدولية» المزمع نشرها في قطاع غزة. لا شيء تقريباً عدا تصريحات وتسريبات متناثرة بعيدة عن إعطاء الصورة كاملة.
مهم معرفة أن هذه القوة قد ترى النور مطلع العام الجديد، وأن من المرجح أن يتولى قيادتها جنرال أمريكي برتبة عقيد، ولكن ما هو معروف أو غير واضح بعد أكثر تعقيداً.
قرار مجلس الأمن الصادر في 17 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي الذي أوقف حرب الإبادة على غزة، وفق خطة الرئيس ترمب، فوّض «مجلس السلام» الذي سيدير القطاع صلاحية تأسيس هذه القوة العسكرية لكنه لم يخض في مرجعيتها أو تفاصيل مهامها وتلك هي المعضلة.
كل ما يقال حالياً هو أن واشنطن تعمل جاهدة على مسودة قرار دولي يمكن أن يوفر لهذه القوة تفويضاً واضحاً، خاصة مع إصرار الأمين العام للأمم المتحدة على ضرورة أن تستمد أي قوة عسكرية دولية ستنشر في غزة شرعيتها من مجلس الأمن. وفي انتظار ذلك، من الصعب معرفة مَن مِن الدول يمكن أن يشارك فيها، أوما الذي يمكن أن تقدّمه فعلا لأهالي القطاع بعد ويلات حرب لم تتوقف بالكامل في الحقيقة.
مسألتا المرجعية والمهام هي لب الموضوع الآن فغياب المرجعية الدولية، إذا تعذّر الاتفاق داخل مجلس الأمن، سيحوّل هذه القوات عملياً إلى قوات احتلال إلى جانب قوات الاحتلال الإسرائيلي خاصة إذا انخرطت في ما يتمناه نتنياهو من نزع سلاح المقاومة عساها تنجح في ما فشل فيه. ما تعارف عليه العالم لعقود هو أن قوات دولية يمكن أن تنشر في أحد مناطق النزاع للفصل بين قوات متحاربة، أو لمراقبة وضمان تنفيذ وقف لإطلاق النار بين المتحاربين، لكن أن تتورّط في أجندة طرف محدد ضد طرف آخر في تجريده من السلاح فمسألة غير مسبوقة لاسيما إذا كانت تجري أصلاً في أرض محتلة وفق كل قرارات الشرعية الدولية.
الخوف الآن هو أن يقع الالتفاف على ضرورة التفويض الضروري من مجلس الأمن بحيث يتم العمل بدلا عن ذلك على أن تستمد هذه القوة العسكرية على أرض غزة مرجعيتها من «مجلس السلام» المزمع تشكيله، وأن يكون هدفها فرض الأمن بمعيارها الخاص، وليس حفظ السلام بحيث تصبح في النهاية سنداً لقوات الاحتلال الإسرائيلي لا أكثر ولا أقل.
ويرى خبراء في القانون الدولي أنه لا يمكن لأي قوة دولية على أرض غزة أن تستخدم القوة إلا إذا تحرّكت وفق الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وهو ما لا تريده إسرائيل نفسها، لأنه قد ينقلب ضدها إذا ما تم الدفع باتجاه استعمال هذه القوة ضد جيش الاحتلال عند خرقه وقف إطلاق النار أو قيامه باجتياحات أو قصف، كما يفعل الآن بشكل يومي تقريباً.
ولتجنّب ذلك، لا يستبعد نفس الخبراء أن يتضمن مشروع القرار الأمريكي، الذي يجري الاعداد له حالياً، تعاوناً ما بين القوة الدولية وجيش الاحتلال لتنفيذ عملية نزع سلاح المقاومة مما يسقط أية وجاهة عن القرار الدولي الخاص بوقف الحرب في غزة وتباهي إدارة ترمب به حين يُدخل كل قطاع غزة في منعرج خطير يزيد الوضع تعقيداً وقبحاً.
لعل ما يمكن أن يوقف أي توجه من هذا القبيل هو تحفُّظ ومعارضة الدول العربية والإسلامية لأي مشاركة في هذه القوة الدولية وفق هذه المعايير الأمريكية-الإسرائيلية، خاصة مع وجود موقف فلسطيني موحد رافض قطعياً لذلك ومطالب بضمانات دولية وأفق سياسي ينص على إقامة دولة فلسطينية مستقلة قد يأتي في إطارها نزع السلاح انسجاماً مع المتعارف عليه من منطق أي دولة تريد احتكار القوة والسلاح بيدها.
وإذا ما كان الهدف من نشر القوة الدولية في غزة هو الاشراف على عملية محددة المعالم تنتهي بالانسحاب الإسرائيلي من القطاع وضمان إعادة الاعمار وأكبر مساهمة دولية في ذلك، فلا مفر في هذه الحالة من تجنّب ما يمكن أن ينفّر الدول العربية والإسلامية من المشاركة فيها أو تأييدها وهي التي اجتمعت في شرم الشيخ في استعراض دعم لخطة ترمب رغم هنّاتها ومطبّاتها. لا يمكن للولايات المتحدة أن تتجاوز تحفظات قد تظهر للعلن من دول وازنة مثل السعودية، أو مصر، أو تركيا أو قطر، فضلاً عن دول إسلامية أخرى أو أوروبية لا تريد أن يقع الزج بها في «كمين» من هذا القبيل.
لقد تحمّس الكثيرون لخطة ترمب الخاصة بغزة ولتبنيها دولياً عبر مجلس الأمن، رغم كل ما شابها من غموض وثغرات، لكن هذه الخطة تواجه اليوم امتحاناً عسيراً لأنه من الصعب أن تحاول ترتيب أي شيء بعيداً عن معايير الانصاف والعدل، عبر ردع المحتل واحترام حق الفلسطينيين في الكرامة والاستقلال، على الأقل وفق قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، وما الصعوبات الحالية المتعلقة بإنشاء هذه القوة الدولية في غزة سوى بداية هذا الامتحان العسير.

كاتب وإعلامي تونسي



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد