الإمارات .. قصة نجاح خضراء في عمق الصحراء

mainThumb
الابتكار هو الطريق لتحقيق الأمن الغذائي حتى في أكثر البيئات تحديًا

05-09-2025 10:51 AM

السوسنة - تقرير وتصوير - فواز الطاهات - في قلب صحراء دولة الإمارات العربية المتحدة، وفي منطقة "العراد" على بعد أكثر من 45 كيلومترًا جنوب غرب مدينة العين، ينبض نموذج استثنائي يجسّد روح الريادة والاستدامة والابتكار الإماراتي في مجال الزراعة الحديثة: مزرعة "سوينج فيش"، التي أصبحت رمزا للتحول الذكي في القطاع الزراعي، ومصدر فخر وطني يعكس التزام القيادة الرشيدة بدعم زراعة المستقبل.
في بلد يشتهر بطبيعته الصحراوية وشح موارده المائية، استطاعت دولة الإمارات أن تحول التحدي إلى فرصة، فاعتمدت على أحدث التقنيات الزراعية وتكنولوجيا الاستزراع المائي لتحقق قفزات نوعية في الإنتاج الزراعي، حيث أسهمت تلك التقنيات في مضاعفة الإنتاج ثلاث مرات، وخفض استهلاك المياه بنسبة تصل إلى 90%، ما يعد إنجازًا عالميًا في تحقيق الأمن الغذائي.
تأسست مزرعة "سوينج فيش" على يد المواطن الإماراتي عبدالرحمن الشامسي 1996، وتُعد اليوم نموذجا رائدا يجمع بين الاستزراع السمكي، وتربية الدواجن، والثروة الحيوانية، والزراعة المكشوفة، في منظومة متكاملة تعتمد على الاقتصاد الدائري.
تعمل المزرعة تحت شعار:"أعلى جودة، وأفضل نوعية، وأكثر كمية، وأقل تكلفة"، وهو نهج يعكس رؤية وطنية طموحة تسعى إلى تطوير قطاع زراعي مستدام، قادر على تلبية احتياجات الحاضر دون التفريط في موارد المستقبل.
أحد أبرز جوانب الابتكار في "سوينج فيش" هو نظام الاستزراع المائي المغلق (Aquaculture)، الذي يسمح بتربية أنواع متعددة من الأسماك قادرة على التكيف مع درجات ملوحة مختلفة. وقد تم معالجة ملوحة المياه عبر أجهزة تحلية متطورة، كما صُممت أحواض الأسماك من البلاستيك المقوى لتعزيز البكتيريا المفيدة التي تحوّل الأمونيا إلى نيتروجين، مما يغذي النظام البيئي للمزرعة بأكمله.
المزرعة لا تكتفي بالإنتاج، بل تسهم في تدوير المخلفات، حيث تُستخدم مخلفات الأسماك وبواقي التمور بعد معالجتها علميا لإنتاج سماد عضوي، في حين تُستخدم مياه أحواض الأسماك لري الحقول، مما يؤدي إلى زيادة الإنتاج وتقليل التكاليف.
تنتج "سوينج فيش" باقة متنوعة من الخضروات والفواكه، منها: الرمان، العنب، الكوسا، البطيخ، والمانجو، إلى جانب زراعة الأعلاف مثل الأزولا، حيث يتم إنتاج 85% من الأعلاف داخل المزرعة. كما تعتمد على تقنية زراعة البكتيريا النافعة بتكلفة منخفضة، ما يسهم في دعم صحة التربة والنباتات.
ومن أبرز الابتكارات الفريدة في المزرعة، تربية سلالة "دجاج لامبورجيني" الإندونيسية الفاخرة، التي تُعرف بلونها الأسود وسعرها المرتفع، وكذلك إنتاج سلالات مميزة من الأغنام مثل البوير والنجدية، والتي تُعد من الأغلى عالميا من حيث القيمة الغذائية والاقتصادية.
لم يكن النجاح الذي حققته مزرعة "سوينج فيش" وليد الصدفة، فقد حصدت المزرعة في عام 2022 جائزة أفضل مزرعة متكاملة في دولة الإمارات، كما نالت جائزة الشيخ منصور بن زايد للتميز الزراعي لعام 2023–2024 عن فئة أفضل مزرعة للزراعة المكشوفة، وهو تكريم يعكس الجهود الحثيثة والممارسات المتقدمة التي تتبعها.
تُفتح مزرعة "سوينج فيش" أبوابها للجمهور، بهدف نشر ثقافة الزراعة المستدامة والإلهام، وتوفير نموذج عملي يمكن للمزارعين المحليين الاقتداء به، بما يرسخ ثقافة الابتكار والاستدامة الزراعية في المجتمع الإماراتي.
إن ما تحققه الإمارات اليوم في القطاع الزراعي لا يُعد إنجازًا محليًا فقط، بل هو رسالة واضحة للعالم بأن الاستدامة ليست خيارًا، بل ضرورة، وأن الابتكار هو الطريق لتحقيق الأمن الغذائي حتى في أكثر البيئات تحديًا. ومع دعم القيادة الرشيدة، فإن دولة الإمارات تمضي قدمًا نحو ترسيخ مكانتها كمركز عالمي للزراعة الذكية والمتكاملة.

 



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد