إسبارطي دولة الاحتلال وعماليق فلسطين

mainThumb

21-09-2025 09:59 AM

أرنون بار ـ دافيد، رئيس اتحاد نقابات العمال في دولة الاحتلال، لا يريد أن يكون إسبارطياً، لأننا «نستحقّ السلام. المجتمع الإسرائيلي منهك، ووضعنا في العالم سيئ جداً». رئيس حكومته بنيامين نتنياهو لا يناقضه في رغبة التماهي مع إسبارطة فقط، بل يتفاخر بها ويستزيد: أثينا وسوبر إسبارطة، في آن معاَ. العالم من جانبه، ما خلا جيوب متفرقة محدودة هنا وهناك، في الولايات المتحدة تحديداً، يستنكر ويقاطع تجارياً ويتظاهر ويحاكم ويدين مجرمي الحرب قادة الإبادة الجماعية والحصار والتدمير وتجويع الأطفال والتطهير الإثني…
المرء، مع ذلك، قد لا يكون متأكداً من أنّ نقيب العمال الإسرائيليين لم يصوّت لتنصيب نتنياهو في رئاسة الحكومة الأكثر يمينية وفاشية وعنصرية على مدار 77 سنة من عمر الكيان الصهيوني؛ وألا يكون، استطراداً، شريكاً في ذلك العصاب الجَمْعي الإسرائيلي الذي جعل هذا الحالم بإسبارطة كبرى فائقة يحكم أكثر من دافيد بن غوريون، ويمعن في إطالة حرب الإبادة وإشعال حروب ضدّ لبنان وسوريا واليمن وإيران تفادياً لاتهامات الفساد والرشوة وسوء الأمانة، أو انتظار صفقة قضائية تنجيه من السجن مرّة وإلى الأبد.
ومنذ أواخر آذار (مارس) 1993، حين انتُخب نتنياهو زعيماً لحزب الليكود ومرشحه لانتخابات رئاسة الوزراء، وهو يدلف من باب دوّار أو يخرج منه ليلتفّ عائداً، مراراً وتكراراً؛ مستمتعاً، لأنه أصلاً يتمتع، بذلك المزاج الخاصّ المركزي الذي يتحكّم بالناخب الإسرائيلي وبصندوق الاقتراع تحديداً: مزاج الخوف من السلام، الذي يبلغ درجة الرهاب؛ وكراهية الفلسطيني، إلى درجة الرهاب الأعمى هذه المرّة؛ والانحدار، أكثر فأكثر، نحو هاوية الانعزال والعنصرية والامتياز التوراتي الكاذب بصدد استيهامات الشعب المختار.
وذات يوم غير بعيد شنّت أسبوعية «إيكونوميست» البريطانية العريقة هجوماً كاسحاً، بل ومقذعاً في الروحية العامة والعديد من المفردات، ضدّ نتنياهو؛ فخصصت له افتتاحية حملت عنوان «الأخرق على حلقات»، أو على نحو مسلسل بدأت فصوله الأولى منذ انتخابه لرئاسة الحكومة. بذلك كان الإسرائيليون قد أدخلوا انعطافة نوعية على تقليدهم العتيق في الموازنة الانتخابية بين اليمين ووسط اليسار، الأمر الذي لم يكن يشكل أي فارق كبير؛ ولكنه مع نتنياهو صنع الفارق كل الفارق، ويواصل صناعته حتى الساعة.
الفصول الأخرى لم تكن تبرهن على شيء قدر تأكيدها على «موهبة نتنياهو الإستثنائية في الخروج بقرارات سيئة التدبير، استفزازية، وفي التوقيت الخاطئ»، كتبت الصحيفة، وسردت: شقّ النفق الأركيولوجي في قلب الشطر الشرقي المحتلّ من مدينة القدس، الشروع في بناء ضاحية استيطانية على أراض محتلة، وإبقاء إنسحابات جيش الاحتلال في حدود نسبة 2% ليس أكثر. مسمار الافتتاحية أبقته الـ«إيكونوميست» إلى الخاتمة، حين قالت: «شركاؤه في التحالف الديني القومي الحاكم مصممون على عدم التنازل للفلسطينيين عن بوصة واحدة من أراضي الضفة الغربية، ولو خيّروا لاختاروا الأرض على السلام. في الماضي تمتع نتنياهو بفضيلة الشك، فهل تتواصل هذه الحال إلى ما لا نهاية؟ كلا بالتأكيد. إنّ إسرائيل، إذْ تدخل نصف قرن من عمرها، لا تستحقّ رئيس الوزراء الذي يحكمها الآن. وينبغي عليه أن يرحل».
لكنّ فأل «إيكونوميست» خاب، بالطبع، فلم يرحل نتنياهو بل انتُخب وأعيد انتخابه وانحطّ شركاؤه في التحالف من حضيض إلى حضيض؛ وأين مسلسل فصوله الأولى بالقياس إلى ما فعل ويفعل في قطاع غزّة، وما أُدين به وسوف يُدان، وما سيتقافز خلاله بين أثينا التي في مخيلته وإسبارطة التي يريد لها أن تكون السوبر قوّة عظمى؛ أو مجاز «إسرائيل الكبرى» التي تنشغل، رغم العزلة الذاتية وفي غمرة الاكتفاء الذاتي، بالقضاء المبرم على أحفاد سلالة العماليق في فلسطين.
هنا، أيضاً، ثمة باب دوّار، له وعليه كما ينصّ التاريخ!



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد