هل كانت أكتوبر آخر الحروب

mainThumb

05-10-2025 10:11 AM

لا شك أن يوم السادس من أكتوبر كان يومًا تاريخيًا من حيث البداية الرائعة لملحمة أكتوبر. فالإعداد والاستعداد، الذي بدأ منذ انتهاء العدوان الصهيوني الأليم الذي عُرف بنكسة الخامس من حزيران (يونيو) عام 1967م، وخوض حرب الاستنزاف، حرم العدو من فرحة نصره الغادر الرخيص الذي ما كان له أن يتم لولا الدعم الأمريكي المطلق.

والخداع الذي مورس على مصر والاتحاد السوفيتي معًا. وما إن انتهى العدوان الغاشم الغادر، حتى بدأت مصر تعيد بناء قواتها المسلحة وخاضت حرب الاستنزاف التي -باعتراف قادة العدو الصهيوني- كانت من أكثر الحروب تكلفة على العدو وإيلامًا لقطعانهم المجرمة. واستمرت تلك الحرب التي عُرفت بـحرب الثلاثة أعوام كما أسماها الفريق أول محمد فوزي رحمه الله. وكان التدريب والاستعداد المصري وأخيه السوري مُطعَّمًا بنار وحرب الكر والفر. وللتاريخ، حاول العدو بعد النكسة احتلال المزيد من الأراضي بعد سيناء وتقدم نحو السويس، ولكن الجيش المصري تصدى له رغم جرح النكسة الغادرة، واستطاع رد العدو الصهيوني وكلفه خسائر باهظة. وقد عُرفت تلك المواجهة بـمعركة رأس العش، وهي بداية حرب الاستنزاف أو الثلاثة أعوام كما أسماها قائدها الفريق أول محمد فوزي.

لتبدأ الاستعدادات بعد ذلك لـيوم العبور العظيم الذي تم في السادس من أكتوبر عام 1973م ورد الاعتبار للجيش المصري وقائده الأعلى الزعيم الخالد جمال عبدالناصر رحمه الله، الذي كان قد رحل قبل العبور العظيم بثلاثة أعوام، ولكن بعد أن جَهَّز كل شيء للمعركة من التسليح والتدريب والاستعداد بـالنار والدم، ووضع خطة العبور جرانيت (200)، وخاض حرب الاستنزاف من النكسة وحتى مبادرة روجرز، وليس اتفاقية روجرز التي رفضتها مصر عبدالناصر.

وكان الهدف من قبول المبادرة بناء حائط الصواريخ الذي لولاه ما تم العبور العظيم في السادس من أكتوبر للجيش المصري بقيادة بطل العبور سعد الدين الشاذلي ورفاقه الأبطال، واجتياح خط بارليف الذي قال عنه موشي ديان إن جيش مصر لن يستطيع العبور حتى بدعم أمريكا والاتحاد السوفيتي. وحطَّم الجيش المصري أكبر حاجز ترابي بطريقة بسيطة من العبقرية المصرية. وعلى الجانب الآخر، اجتاح الجيش العربي السوري هضبة الجولان السورية المحتلة، وظهر في الأمة العربية أروع ما فيها، واندفعت تعطي للمعركة وتدعم الجيشين المصري والسوري بـجيوش عربية. وهذا خفَّف النفط على الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا (ولم يقطعه كما هو سائد بين دهماء الشعب العربي).

وما هي إلا ساعات حتى كان صراخ جولدا مائير يصل للبيت الأبيض بواشنطن: "أنقذوا إسرائيل وإلا لن تجدوا ما تنقذوه". وعلى الجانب العسكري، الجنرال موشي ديان يعود من المعركة منهارًا يجر أذيال الفشل ويتحدث عن تدمير الهيكل الثالث. هكذا كانت بداية حرب أكتوبر الرائعة التي مُرِّغ بها أنف العدو المتغطرس بالتراب، وأثبت الجيشان المصري والسوري أن ما حدث في يونيو (حزيران) لن يتكرر، فقد كان خداعًا وعدوانًا قادته الولايات المتحدة الأمريكية وليس الكيان اللقيط.

لكن للأسف، ما حدث بعد العشرة أيام الأولى من الحرب والتفوق العربي بقيادة مصر وسوريا، تدخلت أمريكا عسكريًا وسياسيًا لصالح العدو.

كما أن القيادة المصرية لم تكن على مستوى الأداء العظيم للقوات المسلحة المصرية يوم السادس من أكتوبر، فقد خَذَلت السياسة السلاح في تلك الملحمة، وأخذ أنور السادات يردد عبارته الانهزامية أن 99% من حل القضية العربية بيد الولايات المتحدة الأمريكية، وكأن هذا الدعم الأمريكي جديد عليه وليس منذ قيام الكيان الصهيوني المجرم على أرض فلسطين التاريخية. والدعم الأمريكي لم يتغير، ولكن الذي تغير هو ضابط الإشارة أنور السادات.

وعلى هذا الأساس الانهزامي كانت نهاية حرب أكتوبر غير بدايتها، فقد كانت البداية رائعة والنهاية مؤسفة. وبعد توقف الجيش المصري داخل 15 كم في سيناء، توقف وأصبح في حالة دفاع وبقي كذلك حتى يوم الرابع عشر من أكتوبر، عندما أصدر أنور السادات قراره الكارثي بـتطوير الهجوم، واعترض الفريق سعد الدين الشاذلي وقادة الجيشين الثاني والثالث وعدد من القادة، ورُفِض اعتراضهم. وكانت النتيجة للقرار الكارثي خسارة 250 دبابة وعدد كبير من الآليات ناهيك عن أعداد الشهداء. وبعد ذلك تمكن العدو الصهيوني من اختراق ثغرة الدفرسوار وأصبح يهدد السويس والإسماعيلية، وأبلى الشعب المصري في المدينتين وسجل بطولات في المقاومة الشعبية ومنع العدو من تحقيق أي من أهدافه الخبيثة.

ورفض أنور السادات خطة الفريق سعد الدين الشاذلي لتصفية الثغرة، لتتدخل السياسة بعد قرار وقف إطلاق النار من خلال جولات كيسنجر المكوكية التي أسفرت عن فض الاشتباك بين الجيشين المصري والصهيوني، والدخول في مفاوضات بين أنور السادات والكيان الصهيوني التي عُرفت بـمفاوضات 101 كم. وفوجئ المشير محمد عبدالغني الجمسي رحمه الله من الجانب العسكري بحجم التنازلات الساداتية بدون علمه، ويخرج ودموعه شاهدة على حجم السقوط الساداتي وتنازلاته التي فاجأت حتى العدو الصهيوني نفسه، كما ذكر معظم قادته في مذكراتهم فيما بعد حول تلك المعركة التي بدأت رائعة، ولكن للأسف انتهت بحل منفرد بين السادات والكيان الصهيوني.

بعد أن كانت الأمم المتحدة في ظل توازن دولي تستعد لعمل مؤتمر جنيف للسلام، ولكن العالم فوجئ بزيارة أنور السادات المشؤومة لفلسطين المحتلة وسيره بحل منفرد، استغله العدو الصهيوني أسوأ استغلال عندما أعاد له سيناء بشروطه منزوعة السلاح ومقسمة لثلاثة أقسام (ألف وباء وجيم) وضم القدس وإعلانها عاصمة أبدية لكيانه. والغريب هنا ما ذكره الفنان عمر الشريف (شهلوب اسمه الحقيقي) أن أنور السادات اتصل بالفنان عمر الشريف قبل الزيارة المشؤومة يطلب منه أن يتصل بـمناحيم بيغن ويَجُس نبضه: هل يستطيع استقبال أنور السادات بـفلسطين المحتلة؟ وقام الفنان بدوره واتصل بالسادات وأخبره أن مناحيم بيغن يرحب به بـاسم كل الشعب الصهيوني. والسؤال: ما علاقة الفنان عمر الشريف بـمناحيم بيغن وهو مجرد فنان؟ وتلك من خفايا ما أوصلنا لـكامب ديفيد وملحقاتها بعد ذلك.

السؤال: هل تحقق السلام؟ وكل المعاهدات التي عقبتها على نهج كامب ديفيد، فهل تحقق السلام؟ وها هو نتنياهو اليوم يهدد بـالشرق الأوسط الجديد يقوده كيانه، وقبله مجرم قانا شمعون بيريز صاحب كتاب "الشرق الأوسط الجديد" وصديق السادات المقرب، طرح نفس الفكرة، وهو القائل: "جربتم قيادة مصر 50 عامًا، جربوا قيادة إسرائيل مرة واحدة وسترون النتيجة". هذا كلام أقرب القادة الصهيونيين لـأنور السادات، فكيف بالآخرين أمثال نتنياهو؟

الكيان الصهيوني المجرم اليوم أسفر عن وجهه الحقيقي لنصل لـبيت القصيد: أن حربنا مع الكيان الصهيوني حرب وجود وليس حرب حدود، كما قال الزعيم الخالد جمال عبدالناصر، وأن التسويات والحلول المنفردة لا تصنع سلامًا بل تضعف الأمة العربية أكثر فأكثر.

وتبقى حرب أكتوبر برغم فشل السياسة وإخفاقها ملحمة عظيمة للأمة العربية بقيادة مصر وسوريا دولتي الوحدة، وأثبت أكتوبر أن في الاتحاد قوة. وهذا ما استوعبه الكيان الصهيوني باجتماع كل قادته: ملحمة أكتوبر يجب ألا تتكرر!

وفي هذه الذكرى العظيمة نوجه تحية حب وتقدير لمصر وجيشها العظيم وقيادة أكتوبر العسكرية: الفريق سعد الدين الشاذلي ورفاقه، وإلى سوريا وجيشها العظيم بقيادة الرئيس حافظ الأسد (الذي تآمر الخونة اليوم على سوريا للأسف وأسقطوا قيادتها الوطنية ممثلة بالرئيس بشار الأسد).

وكيف أصبحت سوريا اليوم مباحة أمام العدو الصهيوني؟ ورحم الله شهداء أكتوبر من الجيش المصري وأخيه السوري، وتبقى أكتوبر خالدة في تاريخ الأجيال.

أثبتت أن الأمة العربية قادرة على صناعة النصر وأن هذا الكيان الاستيطاني السرطاني أوهن من بيت العنكبوت ولولا أمريكا ما وُجد أصلاً.

وتبقى أكتوبر ملحمة تاريخية لكل الأجيال مفادها: أمتنا قادرة على صناعة المعجزات.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد