المرحلة الثانية من خطة التحديث الاقتصادي في الأردن

mainThumb

05-10-2025 11:09 PM

منذ إطلاق خطة التحديث الاقتصادي الأردنية عام 2022، اتبعت المملكة مسارًا استراتيجيًا لإعادة هيكلة اقتصادها وتعزيز تنافسيته واستدامته. ومع اقتراب عام 2026، يدخل الأردن مرحلة جديدة تُوصف بأنها "مرحلة التنفيذ والتسريع"، حيث لم يعد التركيز على إعداد الخطط، بل على تحويلها إلى إنجازات ملموسة يشعر بها المواطن والاقتصاد الوطني. فقد شكّلت السنوات الثلاث الماضية مرحلة التأسيس والإصلاح، بينما تمثل المرحلة المقبلة مرحلة قطف الثمار وتسريع النتائج.

شهدت المرحلة الأولى من الخطة (2023–2025) خطوات إصلاحية واسعة ركزت على تطوير بيئة الأعمال وتعزيز الكفاءة الاقتصادية، مثل إصدار قانون البيئة الاستثمارية الجديد، وتحديث منظومة التعليم والتدريب المهني، وتمكين المرأة والشباب في سوق العمل. وقد بدأت نتائج هذه الإصلاحات بالظهور تدريجيًا، إذ حقق الاقتصاد الأردني في الربع الثاني نموًا بنسبة 2.8% في عام 2025، وانخفض معدل البطالة بنسبة ضيئلة إلى نحو 21.3% في النصف الأول من عام 2025، مع تحسن التصنيف الائتماني للأردن وفق تقارير "فيتش" و"ستاندرد آند بورز".

أما المرحلة الثانية (2026–2029) فهي تمثل انتقال الأردن من مرحلة الإصلاح إلى التمكين، ومن الاستقرار إلى التوسع. إنها مرحلة التحول الإنتاجي وتسريع النمو الاقتصادي عبر الاستثمار في القطاعات ذات القيمة المضافة العالية مثل التكنولوجيا الحديثة، والزراعة الذكية، والطاقة المتجددة، والصناعات التحويلية، بما يعزز القدرة التنافسية للاقتصاد الوطني على المدى الطويل.

وتُعد موازنة عام 2026 نقطة تحول رئيسية في مسار التحديث، إذ تعكس توجه الحكومة نحو الإنفاق الاستثماري المنتج بدلًا من الإنفاق الاستهلاكي. فبينما يُتوقع أن يبلغ العجز الأولي لعام 2025 بنحو 2% من الناتج المحلي الإجمالي مقارنة مع ما نسبته 2.9% عام 2024، فإن الموازنة تركز على تمويل مشاريع البنية التحتية، والتحول الرقمي، ودعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة باعتبارها أدوات رئيسية لتحقيق التنمية المستدامة وخلق فرص العمل النوعية.

كما تعمل الحكومة على تعزيز كفاءة الإنفاق العام من خلال تطبيق موازنات البرامج والأداء وربط الإنفاق بالنتائج، وتحسين التحصيل الضريبي دون فرض ضرائب جديدة، إلى جانب ضبط الدين العام ضمن مستويات آمنة تصل تقريبا الى 80% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2029، ما يعزز الاستقرار المالي ويزيد من ثقة المستثمرين المحليين والدوليين.

في هذه المرحلة الجديدة، يتعزز دور القطاع الخاص كمحرك رئيسي للتنمية الاقتصادية، إذ شهدت السنوات الأخيرة ارتفاعًا في حجم الاستثمارات المحلية والأجنبية بفضل الإصلاحات التشريعية وتحسين بيئة الأعمال. كما توسعت الشراكات بين القطاعين العام والخاص في مجالات النقل والطاقة والمياه، وارتفع عدد العاملين في القطاع الخاص بنسبة 12% خلال ثلاث سنوات، في إشارة إلى نضوج بيئة الأعمال وتحولها نحو مزيد من الإنتاجية والاستدامة.

وستركز الجهود المقبلة على مضاعفة الاستثمارات النوعية في قطاعات المستقبل مثل الذكاء الاصطناعي، والخدمات اللوجستية، والسياحة العلاجية، والطاقة النظيفة، بما يعزز موقع الأردن كمركز إقليمي للأعمال والخدمات والتقنيات الحديثة في المنطقة، وكمحور استراتيجي يربط بين أسواق الشرق الأوسط وأوروبا وأفريقيا.

وتبرز في المرحلة الثانية "الممكنات الاقتصادية" كمسرّعات رئيسية للنمو، وفي مقدمتها الاقتصاد الرقمي، والطاقة المتجددة، والسياحة المستدامة، والتعدين، والزراعة الذكية. فالتحول نحو حكومة رقمية متكاملة وتوسيع المدفوعات الإلكترونية يعزز الكفاءة والشفافية، بينما يساهم رفع حصة الطاقة النظيفة إلى 50% من خليط الطاقة الوطني بحلول 2029 في دعم أمن الطاقة وجذب الاستثمارات الخضراء. كما تستهدف الخطة استقطاب 10 ملايين سائح سنويًا عبر تطوير المثلث الذهبي (العقبة–وادي رم–البتراء)، وتحويل الموارد التعدينية إلى صناعات تحويلية عالية القيمة، إلى جانب تطوير منظومة الزراعة الذكية لتحقيق الأمن الغذائي.

ورغم التقدم الملموس، لا تزال هناك تحديات تتطلب إدارة ذكية، أبرزها ارتفاع الدين العام، ومحدودية الموارد المائية، وتباطؤ النمو الإقليمي. غير أن الأردن يمتلك أدوات فعّالة لمواجهتها بفضل استقراره السياسي، وكفاءته المؤسسية، وموارد البشرية، والدعم الإقليمي والدولي المتزايد لبرامج التحديث، فضلًا عن التوازي بين الإصلاحات الاقتصادية والسياسية والإدارية التي تشكل مجتمعة بيئة ناضجة لتحقيق التحول الشامل.

وبذلك، تمثل المرحلة الثانية من خطة التحديث الاقتصادي الأردنية (2026–2029) منعطفًا حاسمًا نحو بناء اقتصاد أكثر إنتاجية وشمولًا واستدامة. فبعد عقدٍ من الإصلاحات، يدخل الأردن الآن مرحلة التنفيذ المتسارع، حيث تتحول الخطط إلى مشاريع والمبادرات إلى نتائج ملموسة. وبفضل طاقاته البشرية، وشراكاته الإقليمية والدولية، واستقراره المؤسسي، يمضي الأردن بثبات نحو اقتصاد أكثر تنافسية وقدرة على خلق فرص العمل وتحسين نوعية الحياة، ليؤكد مجددًا مكانته كقصة نجاح عربية جديدة في التنمية والتحول الاقتصادي.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد