ثمن أكاذيبنا
في كتابه الذي يحمل نفس هذا العنوان، يقدم إدوار فيليب، رئيس الوزراء الفرنسي الأسبق وأحد المرشحين المحتملين لرئاسيات 2027، تأملا عميقا في تجربة بلاده خلال جائحة كوفيد 19، التي عاش جزءا منها كمسؤول سياسي. لكن جوهر أطروحته يتجاوز الوباء ليصل إلى عمق العلاقة بين الدولة والمجتمع في لحظات الأزمات. لذلك يوجه، من خلال الكتاب، دعوة صريحة إلى الوضوح، وإلى التحرر من التبريرات السهلة والمواقف الجاهزة، وعدم تجنب أي سؤال أو أي مراجعة ذاتية، وقول الحقيقة كما هي، من أجل التمكن لاحقا من فعل ما يجب فعله. كما يدعو إلى رؤية الواقع كما هو، لا كما نرغب في أن يكون.
في هذا الكتاب، الذي يمكن اعتباره جزءا من خطاب سياسي استعدادا للمستقبل، وخاصة في سياق الانتخابات الرئاسية القادمة، ينتقد فيليب بشدة ما يعتبره الأساطير التي ينسجها السياسيون والمجتمع، أي تلك القصص الجميلة والمطمئنة والمجيدة التي تغرس فينا لتمنحنا شعورا زائفا بالطمأنينة، وتدفعنا إلى الاستسلام للراحة بدل مواجهة التحديات الحقيقية. هذه القصص، يقول، "تساعدنا على النوم"، لكنها في الواقع تعطل قدرتنا على ابتكار حلول فعالة لمشكلات البلد. وبينما نغرق في الأكاذيب التي نرويها لأنفسنا، يضيف مؤسس حزب (Horizons)، نجد أن الآخرين ـ دولا ومجتمعاتٍ وأفرادا ـ يتقدمون ويبتكرون ويتكيفون مع المتغيرات، ويرون الواقع كما هو، ويستعدون للمستقبل.
تتلخص الفكرة المحورية في الكتاب في أن الخوف من قول الحقيقة للمواطنين، بدعوى الحفاظ على الاستقرار أو تفادي الذعر، لا يؤدي إلا إلى تقويض الثقة العامة، وتحويل الأزمة الصحية إلى أزمة سياسية وأخلاقية. ذلك أن ما يتم فقدانه في لحظة كتمان الحقيقة لا يعوض بسهولة، لأن الثقة، حين تتصدع، تفتح الباب أمام شك دائم في الخطاب الرسمي ومصداقية المؤسسات.
هذه الفكرة، وإن انطلقت من التجربة الفرنسية، تكاد تصف بدقة ما يعيشه المغرب اليوم وما تعيشه بلدان أخرى مشابهة. فـ"الأكاذيب" ليست بالضرورة تصريحات خاطئة، بل هي تلك المسافة المتزايدة بين الوعود والخطوات، بين لغة الإصلاح وممارسات الاستمرار، بين خطاب التنمية والواقع الاجتماعي. فطوال سنوات، تكررت وعود التشغيل والحماية الاجتماعية والتغطية الصحية والحد من التفاوتات والكرامة والحقوق والحريات والديمقراطية، لكن ما تحقق على الأرض ظل محدودا، وكأن الكلمات تسبق الأفعال بخطوات كثيرة. وحين يتكرر الوعد دون نتيجة، يتحول إلى عبء، وتتحول اللغة الرسمية نفسها إلى مصدر للريبة.
جيل Z الذي عبر عن غضبه في الشارع خلال الأيام الماضية ويستعد ليواصل هذا الغضب خلال الأيام القادمة ليس حركة طارئة أو نزوة احتجاجية، بل هو نتيجة طبيعية لمسار طويل من الوعود غير المكتملة. إنه جيل نشأ في عالم مفتوح، يرى ويقارن، ويتابع في لحظة واحدة ما يحدث في بلده وما يجري في العالم. وحين يكتشف التناقض بين الصورة التي تقدمها الدولة عن نفسها وبين الواقع الذي يعيشه، يفقد الإيمان بالسردية الرسمية. لا يطالب هذا الجيل بالمستحيل، بل بما هو بديهي، أي أن تقال الحقيقة كما هي، وأن يعترف بحدود ما تحقق وبما تعثر.
لقد شكل دستور 2011 لحظة كان يفترض أن تفتح فيها صفحة جديدة في علاقة الدولة بالمجتمع، لكنه تحول تدريجيا إلى "مرجع تبريري" أكثر منه قاعدة فعلية للتغيير. وهنا تكمن المفارقة: حين تستعمل لغة الإصلاح لتبرير الركود، يفقد الخطاب السياسي قدرته على الإقناع. فالأكاذيب ليست دوما ما يقال، بل أحيانا ما يخفى أو ما يعاد تدويره في صيغة مطمئنة تخفي عمق الأزمة. ومع مرور الوقت، تتراكم هذه "الأكاذيب الصغيرة" حتى تصبح جدارا من عدم الثقة يفصل الدولة عن مجتمعها.
التجربة الفرنسية التي تحدث عنها فيليب تكشف أن الخوف من المصارحة، مهما كانت دوافعه، يفاقم الأزمات. وفي السياق المغربي، يبدو أن الخوف من قول الحقيقة السياسية والاجتماعية يؤدي إلى النتيجة نفسها، أي تآكل الثقة وتنامي الشعور باللامعنى. فحين يقدم التبرير بدلا من الاعتراف، وحين يستعمل خطاب الارتياح بدل الوضوح، يصبح الصمت أكثر خطورة من الكلام.
"ثمن الأكاذيب" هنا ليس استعارة، بل توصيفا لمسار كامل. فحين تبنى السياسات على التجميل الإعلامي أكثر من الجرأة المؤسسية، وحين يقدم الاستقرار بوصفه بديلا عن الحقيقة، يبدأ الانفصال بين الدولة ومواطنيها في التوسع. ومع كل خطوة إضافية في هذا الاتجاه، ترتفع كلفة استعادة الثقة. وما نراه اليوم من احتجاجات شبابية ليس سوى تجسيد لفاتورة مؤجلة، لسنوات طويلة من الالتفاف والتأجيل.
ربما الدرس الأعمق الذي يمكن استخلاصه من تجربة العمدة الحالي لمدينة لوهافر هو أن الحقيقة، مهما كانت مؤلمة، هي أقل كلفة من الكذب السياسي. فالثقة لا تبنى بالإنكار، بل بالمصارحة، ولا تستعاد بالطمأنة، بل بالاعتراف. والمجتمعات التي تتجرأ دولها على قول الحقيقة في الوقت المناسب، ولو كانت صعبة، هي التي تنجح في تجاوز أزماتها بأقل الخسائر. أما المجتمعات التي تؤجل المكاشفة، فتنتهي إلى دفع ثمن أكاذيبها دفعة واحدة، كما يحدث اليوم في أكثر من مكان.
هكذا، يبدو أن السؤال الذي طرحه إدوار فيليب لفرنسا يصلح أن يطرح اليوم في المغرب: كم مرة يمكن للدولة أن تطلب من مواطنيها الثقة، من دون أن تقدم لهم الحقيقة؟
أدهم المخادمة ومباراة بثلاثة جماهير
مذكرة نيابية بتخصيص نصف دينار من رسوم التلفزيون لدعم الفنون
أورنج الأردن تنظم النسخة المحلية من هاكاثون هيديرا العالمي لتقنيات الويب 3.0
العودات: الأردن ماض في طريق التحديث بمساراته الثلاثة
يسرا تكشف عن طفولة مؤلمة وتجربة نفسية عميقة
لا تتجاهل الرسالة القضائية: تصرّف فوراً الآن
صيحات شتاء 2026: أناقة دافئة تعيد رسم ملامح الموضة
ضبط اعتداءات على خطوط مياه في عدة مناطق
الأخرس يشعل حلب بأول حفل عربي في سوريا الجديدة
البدء بتنفيذ القراءة الفعلية لعدادات المياه في إربد
توضيح مهم من حماس بشأن الإعدامات الميدانية
قادة العالم يمازحون ميلوني حول الإقلاع عن التدخين
القطاع الحكومي يعلن عن برنامج توظيف شامل .. رابط
تفسير حلم الامتحان للعزباء في المنام
رئيس مجلس أمناء الكلية الجامعية للتكنولوجيا يلتقي الهيئة التدريسية
تقدم وإرادة تبحثان تعزيز العمل الكتلوي بعد الاندماج
عائلة الدميسي تستنكر تداول فيديو الجريمة المؤسفة
وظائف شاغرة ومدعوون للمقابلات الشخصية .. أسماء
اكتشاف جيني يمهد لعلاج جذري لمرض السكري
اليرموك تقفز 400 مرتبة في تصنيف التايمز العالمي 2026
قرار حكومي مهم بشأن الحجز على أموال المدين
السابع من اكتوبر ولاعب الجودو بوتين
لجان وكتل نيابية ترحب باتفاق وقف إطلاق النار في غزة
الأسرة النيابية تبحث سبل تمكين المرأة
الهاشمية تنظم مؤتمرها الطبي الدولي الثاني حول الذكاء الاصطناعي