مهارة لباقة الحديث

mainThumb

30-10-2025 12:06 PM

من لباقة المجاملات فنّ التعامل مع الآخرين، ويكمن ذلك في حسن الحديث، ومراعاة المقام والمناسبة. فليس من الذوق استخدام الألفاظ السوقية، أو المزاح الثقيل، أو إخفاء الإهانة خلف ستار المدح. فكل هذه الأساليب لا تندرج ضمن الذوقيات التي نكسب بها القلوب، أو نعزز بها توثيق العلاقات.

أحيانًا، قد تُقطع مودة، أو يُكدَّر صفو علاقة بسبب هفوة لسان غير محسوبة، نظنها من الزلات البسيطة التي اعتدناها في مجالسنا، أو أماكن عملنا، أو في اللقاءات العابرة. فنُطلقها على ألسنتنا دون أن نراعي أن الطرف الآخر لا يعرف طباعنا، فنتعامل مع الرجل الرزين بخفة ظلّنا، فيقع الخصام، وتحدث الشروخ التي يصعب مداواتها. وكل ذلك بسبب كلمة لم نزنها، ولم نحسب لها حسابًا، لأن من خاطبناه لا يقبل هذا الأسلوب.

وبعض الناس يتعمد استخدام أسلوب غير لائق في الفضاءات العامة، التي يُفترض أن تُراعى فيها لباقة الحديث، ويتحلّى فيها المرء بشيء من الرزانة. فيُطلق العبارات دون تمحيص، وقد تحمل هذه الكلمات تنمّرًا لفظيًّا يترك أثرًا سيئًا في نفس من تعرض للتهكّم أو السخرية، سواء عن حسن نية أو بسوء قصد. فحتى وإن كانت دردشة أو مباسطة، فإن طريقة وصولها إلى المتلقي قد تُحدث أثرًا عكسيًا.

يقول الشيخ محمد الغزالي:
"ليس اللسان أداة بيان فحسب، بل هو مقياس أدب، ودليل عقل."

ويظهر هذا النوع من التنمّر اللفظي حتى في المدارس، حيث قد يستخدمه بعض المربين دون قصد، فينعت أحد التلاميذ باسم حيوان أو بصفة ذميمة، ما يؤثر سلبًا على شخصيته. وقد يدفعه ذلك إلى الانطواء والعزلة، أو يُضعف مستواه التحصيلي، فيصاب بأمراض نفسية يصعب علاجها، وكل ذلك بسبب حماقات غير محسوبة، يكون ضحيتها التلميذ.

قال عباس السيسي:
"الكلمة الطيبة لا تُكلّف شيئًا، لكنها تصنع الكثير."

من هنا، ينبغي علينا أن نولي لباقة الحديث أهمية كبيرة، وأن نُتقن مهاراتها. فمن الحسن أن ننتقي من الكلام أطيبه وأجمله، ونختار لكل مقام أسلوبه المناسب. نخاطب الطفل بكلمات تعزز شخصيته، ونخاطب من له مكانة بما يليق به، ونعالج تقصير المقصر دون أن نُهين كرامته.

يقول الدكتور إبراهيم الفقي:
"راقب كلماتك، فهي قد تصنع يومًا سعيدًا أو تُحطم عمرًا كاملًا."

فالمربّي يُقوّم الخطأ لا المخطئ، وعلينا أن نعي أثر الكلمة ومسارها، وأن نُدرك الهدف من توظيفها حتى تحقق غايتها، وتترك أثرًا طيبًا في النفوس، فتصدق القلب، وتزرع الحب، وتداوي الجرح.

خاتمة:
وفي ختام المقال، نؤكد أن الكلمة رسالة بليغة لها أثر تربوي عميق. فالكلمة الطيبة صدقة، وهي تدفع الأذى، وبها نهدي الضال، وننبه الغافل، ونقوّم العيب، ونُسكِن الفتنة.

فلنجعل من كلماتنا مفتاحًا للخير، ومفتاحًا للسعادة. نجعلها وسيلة لإصلاح حياتنا، نستشعر عبيرها العطر، ونُجيب النداء الرباني:

{وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} [البقرة: 83]



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد