في السودان: هدنة إنسانية أم استراحة محارب
رغم رفضي القاطع لأي محاولة لتفتيش ضمير أي كائن كان، أو تفسير نواياه، إلا أنني لا أستطيع أن أمنع نفسي من التشكيك في صدق إعلان قوات الدعم السريع قبولها الهدنة الإنسانية المقترحة من مبادرة مجموعة الرباعية، السعودية والولايات المتحدة ومصر والإمارات. كما لا أستطيع أن أمنع نفسي من التصريح بقناعتي، أو اعتقادي، بأن هنالك ثلاثة أهداف مختبئة وراء هذا الإعلان. أول هذه الأهداف هو محاولة صرف الانتباه عن الفظائع المرعبة التي ارتكبتها ولاتزال ترتكبها قوات الدعم السريع في الفاشر ومناطق العمليات الأخرى. والهدف الثاني هو محاولتها التغطية على الهزيمة السياسية والأخلاقية التي لحقت بهذه القوات، رغم تقدمها العسكري، من جراء سلوكها الوحشي المنافي للوجدان البشري السليم والمناقض تماما لكل القيم الإنسانية، والذي استدعى زخما وحراكا عالميا، حكومات وشعوب، يدين ويستنكر هذه الجرائم الوحشية ويطالب بالمحاسبة. أما الهدف الثالث فهو محاولة قوات الدعم السريع تقديم نفسها للمجتمع الدولي على أنها تتحلى بالمسؤولية أكثر من الجيش. وفي الحقيقة، فإن شكوكي في صدق إعلان هذه القوات بقبول الهدنة، تشكلت وترسخت نتيجة ممارساتها تجاه المدنيين العزل في كل المناطق التي اجتاحتها طيلة أيام الحرب الممتدة لعامين ونصف، وآخرها ما ارتكبته من فظائع في الفاشر وبارا. ومع ذلك، وعلى الرغم من شكوكي وقناعتي بهذه الأهداف، إلا أنني لا يمكن أن أتجاهل ضرورة الهدنة الإنسانية وأهميتها الحيوية، لا بالنسبة للقوات المتقاتلة، وإنما بالنسبة للسكان المدنيين الذين ذاقوا الأمرين، ومن لم يمت منهم بالرصاص الغادر مات من الجوع والعطش وانعدام الدواء. وللأسف يبدو أن من ينادون برفض الهدنة واستمرار القتال، لا يضعون اعتباراً لهؤلاء السكان المدنيين البسطاء والذين هم في أمسّ الحاجة للهدنة، ولو لساعات معدودة، وينظرون إلى ما يصيبهم من عذاب وهلاك، بالرصاص أو بغيرة، كمجرد أضرار جانبية يمكن التغاضي عنها.
أما بالنسبة لموقف الجيش السوداني من الهدنة المقترحة، فانظر إليه من خلال النقطتين التاليتين: أولا، لا أدري لماذا عدم الوضوح في إعلان الجيش لموقف صريح من الهدنة، دون لبس أو غموض، رفضا أو قبولا؟ ولماذا ترك الأمر لفطنة المتابع للأحداث، أو لآخرين من خارج القوات المسلحة انبروا لتفسير هذا الموقف غير الواضح، ويشرحونه على أنه الرفض التام للهدنة، وأن الجيش سيظل يقاتل حتى هزيمة آخر جندي في الدعم السريع، وأنهم يرون في الهدنة حلقة جديدة من حلقات مؤامرة دولية ضد السودان؟ إن عدم الوضوح هذا، فتح الباب لافتراض أن قيادة الجيش تتعامل، تكتيكيا، بخطابين تقدمهما لجهتين مختلفتين: خطاب إعلامي للسودانيين متشدد رافض للهدنة وينادي باستمرار القتال حتى النصر. وخطاب آخر حمّال أوجه مقدم للمجتمع الدولي، ومصاغ بلغة دبلوماسية، لا يقبل ولا يرفض اقتراح الهدنة. اعتقد أن عدم الوضوح في الخطاب وازدواجية معاييره، قد تدفع البعض للطعن في كفاءة ومقدرات القيادة، وتؤكد عند البعض الآخر شكوكا واتهامات ارتهانها لجهات بعينها.
النقطة الثانية، صحيح أن الهدنة سلاح ذو حدين. لذلك، وفق منطق قيادة الجيش، قد تستغل قوات الدعم السريع الهدنة لتثبيت وضعها الجديد على الأرض، ولمنع استنزاف قدراتها، ولإعادة تعبئة قواتها، واستقدام تعزيزات جديدة، وتأمين خطوط إمدادها، استعدادا لضربة قادمة. ولكن، ألا يحتاج الجيش أيضا لالتقاط الأنفاس وإعادة التعبئة واستقدام التعزيزات وتأمين خطوط الإمداد؟ وفي النهاية، الهدنة ليست استسلاما، وإنما هي جزء من تفاصيل الحرب نفسها، وليس انقطاعاً عنها، يستخدمها كل طرف بشكل تكتيكي لتحقيق مكاسب. هي استمرار للحرب، ولكن بدون الرصاص وإنما بوسائل أخرى، دبلوماسية وإعلامية وإعادة ترتيب للأوراق…الخ، استعداداً للجولة التالية، سواء كانت جولة قتالية جديدة أم جولة تفاوض للسلام.
أعتقد، أن موقف قيادة الجيش كان سيكون مفهوما ويصعب الاعتراض عليه، لو أبدت علنا تحفظها على الهدنة، وأعلنت أنها ستقبلها فقط في حال استيفائها شروطا واضحة، وربطتها بإجراءات محددة مثل: *توفير آليات التنفيذ الضرورية حتى تحقق الهدنة هدفها الأساسي في تقديم المساعدات والدعم الإنساني للسكان المدنيين عبر ممرات إنسانية آمنة وتحت آلية رقابة محايدة. *فرض حظر على السلاح القادم من الجهات الداعمة في الخارج، وضمان عدم استغلال الهدنة في ذلك.*تحديد عقوبات واضحة تنفذ على أي طرف ينتهك الهدنة أو يعيق وصول المساعدات الإنسانية. *الفصل الواضح بين العمل الإنساني والعمل العسكري. وفي الحقيقة، بدون هذه الضمانات والإجراءات يمكن أن تنتفي أي أهداف إنسانية عن الهدنة، وتتحول إلى «استراحة محارب» يلتقط خلالها المقاتلون أنفاسهم، وتستغلها الأطراف المتحاربة لإعادة تنظيم صفوفها، وتعزيز إمداداتها العسكرية، مما قد يطيل أمد الصراع ويزيده تعقيدا. فالهدنة إذا أدت إلى تعزيز قدرات المقاتلين، فقد تكون النتيجة هجوماً أعنف بعد انتهائها، مما يضاعف التهديدات تجاه السكان المدنيين ويزيد معاناتهم! كما أن هذه الشروط والضمانات أو الإجراءات، هي التي تميز بين الهدنة كأداة إنسانية حقيقية وموجهة أساسا للسكان المدنيين، أو كمجرد استراحة محارب مؤقتة خدمة للمقاتلين. وهذا التمييز هو ما يحدد نجاح أو فشل أي مبادرة سلام في نهاية المطاف.
صحيح أن الهدنة تسمح للأطراف المتقاتلة بتقييم مواقعها، وفهم خسائرها، وإعادة تنظيم قواتها بشكل أكثر فعالية، وهذا يحسب لصالح استمرار القتال، ولكنها مطلوبة وضرورية، في كل الأحوال وفي كل السياقات. فهي توقف القتل والتدمير، وإن كان مؤقتاً، وتوفر فرصة لإخلاء الجرحى والمدنيين وتقديم المساعدات الإنسانية، وهذا بعد أخلاقي وقانوني مهم. والهدنة، إذا استطالت، يمكن أن تكون البذرة لعملية سلام أوسع، فهي تخلق إمكانية للحوار غير المباشر، وتختبر نوايا الطرف الآخر، وخلالها قد يدرك الطرفان المتحاربان أن الاستمرار في القتال غير مجد. كما أن الهدنة، خاصة المفروضة من خلال الضغوط الدولية، مطلوبة لمنع التمدد الإقليمي للحرب.
كاتب سوداني
أوقع 96 إصابة .. طالب ضحية تنمر يفجر مدرسته
الرئيس الفرنسي يستضيف الرئيس الفلسطيني الثلاثاء
منتدى التواصل الحكومي يستضيف المدير التنفيذي لبورصة عمان
خلال 9 دقائق .. ساعة يد تحصد 17.6 مليون دولار في مزاد
ماسك يحتفل بالتريليون بفيديو ذكاء اصطناعي مثير
الاحتلال الإسرائيلي يسلّم 15 جثمانا لشهداء من غزة
الملك يبحث مع رئيس وكالة جايكا اليابانية توسيع الشراكة
ارتفاع أسعار الذهب محليًا الاثنين
ترامب يهاجم بي بي سي: صحافيون فاسدون ومضللون
iOS 26 يتيح تمديد الساعة على شاشة القفل
خالد القيش: دور تيم حسن في الهيبة لا يناسبني
الاحتلال يواصل عمليات نسف منازل في حي الزيتون
أحلام تطلق مسابقة شعرية عن الرجل بجائزة ضخمة
الضمان الاجتماعي والتأمين الصحي: الحلم المؤجل لآلاف المتقاعدين
نقيب المعاصر يكشف سبب ارتفاع سعر الزيت وموعد انخفاضه
نشر نتائج الفرز الأولي لوظيفة أمين عام وزارة الصحة
مدعوون للامتحان التنافسي في الحكومة .. تفاصيل
تنكة زيت الزيتون إلى ارتفاع والسعر يستقر عند أرقام قياسية .. تفاصيل وفيديو
وظائف شاغرة في أمانة عمان .. رابط
توجه لرفع تسعيرة الحلاقة في الأردن
تعيينات جديدة في التربية .. أسماء
زهران ممداني… حين تنتخب نيويورك ما لم يكن متخيلاً
الفايز: الأردن يخرج أصلب من الأزمات
خريجة من الهاشمية تمثل الأردن في قمة عالم شاب واحد
القاضي: الوطن فوق كل المصالح الضيقة


