الـ«إسلاميسك»: منابع حضارية ونفائس معمارية
في معظم المواقع الآثارية الغربية، يقرأ المرء خلاصة الخبر على النحو التالي، بتنويعات طفيفة: اكتشاف حوض استحمام بيزنطي في أطلال مدينة سفيتولا (سبيطلة الراهنة) التونسية، يعود تاريخه إلى 1500 سنة؛ وهذا المعمار يوفّر لمحة عن أسلوب الحياة ومهارة الصنّاع في المنطقة خلال الحقبة البيزنطية. لكنّ الخبر ذاته لا يمرّ هكذا، أو لا يُلقى على منوال عَرَضي، لدى ديانا دارك؛ المؤرخة والكاتبة والمستعربة والإعلامية البريطانية، صاحبة مؤلفات لامعة واستثنائية عن العمارة الإسلامية عموماً، والسورية منها خصوصاً.
«هذا الأسلوب يشبه تماماً الممشى نحو المعمودية في كاتدرائية سمعان [دير القديس والناسك سمعان العمودي، 389 ـ 459 م، في سيسان، جبل الزاوية، قرب حلب]، حيث كان الحجاج يُعمّدون عند وصولهم إلى المذبح»؛ تكتب دارك، ليس لإحقاق حقّ هذه المنطقة من سوريا لجهة نصيبها الوفير في الحضارة الإنسانية القديمة، فحسب؛ بل على الأغلب من باب تقديم برهان جديد حول نظريتها المركزية (تأثّر الحضارة الغربية بالعمارة المشرقية والإسلامية). وإنها أمينة، في هذا الطراز من التذكير على سبيل التصويب، لأطروحة لا تساجل ضدها غالبية الموسوعات الآثارية الرصينة؛ مفادها أنّ العديد من الحلول المعمارية والزخرفية في برج بيزا الإيطالي الشهير، مثلاً، تدين لسوابق في دير سمعان العامودي نفسه، وبعض العمارة الإسلامية المغاربية (جامع القيروان الكبير)، والأندلسية (قصر مدينة الزاهرة في قرطبة).
ولعلّ الوفاء ذاته، مضاعفاً هذه المرّة وأدنى إلى مقاربة تاريخ سوريا المعاصر، فضلاً عن «الوقوع في غرام البلد» كما عبّرت؛ هو الذي دفع دارك في سنة 2005 إلى شراء دار شامية قديمة (بيت البارودي) وإعادة ترميمها والسكنى فيها؛ ثمّ تأليف كتاب بعنوان «بيتي في دمشق: نظرة من الداخل على الثورة السورية»، الذي كان وراء قرار النظام عدم منحها تأشيرة دخول إلى سوريا، منذ العام 2014. ولا عجب في الحقد على دارك؛ فالكتاب مهدى إلى والدة دارك، وإلى الطفل الدرعاوي الشهيد حمزة الخطيب، وانحياز فصوله تامّ وصريح لانتفاضة الشعب السوري، وشجاع بليغ في تبيان جرائم حرب النظام. وفي نيسان (أبريل) الماضي سوف تعود دارك إلى سوريا بعد انهيار نظام «الحركة التصحيحية»، ولسوف تكتب مقالة بعنوان «سوريا بعد الأسد: في العودة إلى دمشق بعد سنوات الحرب، وجدتُ الأمل».
وإلى جانب الاعتبارات السابقة وسواها أخرى عديدة، فإنّ مناسبة هذه السطور هي كتاب دارك الجديد «إسلاميسك: الحِرَفيون المنسيون بناة أوابد أوروبا خلال القرون الوسطى»، الذي صدر بالإنكليزية ضمن منشورات C. Hurst & Co في لندن؛ والذي يقيم بتعمّق وإحاطة ومستويات عليا من البرهنة والإقناع، سلسلة من التوازيات المقارَنة بين تعابير «رومانيسك» و»أرابيسك» و»إسلاميسك». وإذا كان التعبير الأوّل في لغة مؤرّخي الفنّ الأوروبي على الأقلّ يعني الأسلوب المعماري الذي شاع في فرنسا وإيطاليا وألمانيا وإنكلترا بعد عصور الظلام، ومهّد بالتالي للطراز القوطي الممجّد؛ فإنّ التعبيرين الثاني والثالث تناوبا على ترسيخ التأثيرات العربية والإسلامية العميقة، بعيدة الحضور وحاسمة التأثير، في القسط الأعظم من الإرث الرومانيسكي.
وثمة حجة أولى ناظمة تسيّر معظم استنتاجات الكتاب، وهي أنه ما من طراز معماري يمكن أن ينبثق هكذا من اللامكان، وبالتالي فإنّ جميع (نعم، حسب دارك: جميع!) الابتكارات الرومانسكية، خاصة ذات الصلة بالأقواس والقناطر والرسوم والتزيينات، تُعزى إلى أصول شرقية، وأرابيسكية/ إسلاميسكية مشتركة؛ وليس أوّل الأسباب أنّ المسيحية ديانة ولدت في الشرق أصلاً، ولكنه أحد الأبرز بين اعتبارات شتى متداخلة ومتقاطعة. والكتاب يوثّق، وعشرات الصور الفوتوغرافية شاهدة، أنّ مكوّنات الفنون الرومانسكية كانت بمثابة تجليات لروابط ثقافية وفكرية واقتصادية بين أوروبا الغربية والعوالم الإسلامية على امتداد القرون التاسع والعاشر والحادي عشر؛ كما يستعرض نماذج وفيرة على حقيقة ندرة ومحدودية المهارات المعمارية في الغرب، مقابل وفرتها وتنوّعها لدى مختلف الصنّاع والحرفيين في الشرق وأرجاء الإسلام.
فصول الكتاب الـ12 تتوزع على قسم أوّل، بعنوان «أدلّة وصنّاع مهرة»، يتناول تراث مهارات لا عدّ لها ولا حصر تميّز بها الحرفيون المسلمون، ولكن في الشرق عموماً حيث تختلط الفنون القبطية بالفاطمية، وتنتشر في أورويا أشغال أهل الأندلس والمغاربيين (الـ»سراسين»، في المفردة الأوروبية). القسم الثاني، بعنوان «عمارة الإسلاميسك عبر أوروبا»، أقرب إلى مسح بانورامي لاستقرار منجزات العمارة الإسلامية في إيطاليا وإسبانيا والمنطقة الجرمانية وفرنسا والجزر البريطانية…
ولا يلوح أنّ لدى دارك أيّ افتقار إلى إدراك إشكالية نحت تعبير الـ»إسلاميسك» في ذاته، وبما ينطوي عليه من حساسيات، سياسية وثقافية ودينية وتاريخية؛ خاصة أنّ أطروحاتها، في خلفيات تاصيل التعبير والتدليل عليه، تقلب (رأساً على عقب أحياناً!) عقوداً أو قروناً من «المعرفة المسيّدة» والمعطيات مسبقة اليقين وقاطعة الرسوخ. لكنّ فضيلة كتابها، وسائر أبحاثها في الواقع، أنها أسهمت وتسهم في تضييق الهوّة، المفتعلة خصوصاً، بين العصبويات المختلفة، المتمترسة خلف هويات جامدة أو انعزالية أو فوقية؛ وذلك في خدمة ولصالح انفتاح الثقافات بعضها على بعض.
فلا مهرب، أصلاً، من تفتّح الفنون إذا كان الوجود الالإنساني والعمران البشري موضوعها، وكانت أيضاً منابع حضارية ونفائس معمارية في آن معاً.
أوقع 96 إصابة .. طالب ضحية تنمر يفجر مدرسته
الرئيس الفرنسي يستضيف الرئيس الفلسطيني الثلاثاء
منتدى التواصل الحكومي يستضيف المدير التنفيذي لبورصة عمان
خلال 9 دقائق .. ساعة يد تحصد 17.6 مليون دولار في مزاد
ماسك يحتفل بالتريليون بفيديو ذكاء اصطناعي مثير
الاحتلال الإسرائيلي يسلّم 15 جثمانا لشهداء من غزة
الملك يبحث مع رئيس وكالة جايكا اليابانية توسيع الشراكة
ارتفاع أسعار الذهب محليًا الاثنين
ترامب يهاجم بي بي سي: صحافيون فاسدون ومضللون
iOS 26 يتيح تمديد الساعة على شاشة القفل
خالد القيش: دور تيم حسن في الهيبة لا يناسبني
الاحتلال يواصل عمليات نسف منازل في حي الزيتون
أحلام تطلق مسابقة شعرية عن الرجل بجائزة ضخمة
الضمان الاجتماعي والتأمين الصحي: الحلم المؤجل لآلاف المتقاعدين
نقيب المعاصر يكشف سبب ارتفاع سعر الزيت وموعد انخفاضه
نشر نتائج الفرز الأولي لوظيفة أمين عام وزارة الصحة
مدعوون للامتحان التنافسي في الحكومة .. تفاصيل
تنكة زيت الزيتون إلى ارتفاع والسعر يستقر عند أرقام قياسية .. تفاصيل وفيديو
وظائف شاغرة في أمانة عمان .. رابط
توجه لرفع تسعيرة الحلاقة في الأردن
تعيينات جديدة في التربية .. أسماء
زهران ممداني… حين تنتخب نيويورك ما لم يكن متخيلاً
الفايز: الأردن يخرج أصلب من الأزمات
خريجة من الهاشمية تمثل الأردن في قمة عالم شاب واحد
القاضي: الوطن فوق كل المصالح الضيقة


