خبير ، حقيقة أم ادّعاء

خبير ، حقيقة أم ادّعاء

26-11-2025 11:24 PM

شهدت الساحة الإعلامية ومواقع التواصل الاجتماعي في الأردن في الآونة الأخيرة انتشارًا واسعًا لمصطلحي ( دراسة وخبير)؛ حتى أصبحا يُستخدمان في سياقات لا تستند غالبًا إلى أي منهجية علمية أو مؤهلات واضحة، فكثير من المنشورات الضعيفة علميا قد تتحوّل إلى دراسة، وكثير من أصحاب الرأي صارت صفحات التواصل وبعض المحطات تقدّمه على أنّه خبيردون تثبّت أو تحقق، ممّا يُساهم في إفقاد هذين المصطلحين قيمتهما، ويعمل على تشويه سمعة الخبراء الحقيقين والدراسات العلمية، ويُساهم كذلك في تشكيل وعي خاطئ.
وعند التقصّي والبحث في أسباب هذه الظاهرة نقف عند أسباب عديدة لعلّ من أبرزها سعي العديد من الصفحات والمنصات إلى زيادة التفاعل؛ فالعنوان الذي يبدأ بـ بكلمة دراسة أو خبير يحذر أو يقول أو ينصح أو ما شايه هذه العناوين يجذب القرّاء بسرعة ويضمن انتشارًا أوسع، حتى لو لم يحمل مضمونًا حقيقيًا، إلى جانب ذلك، يسهم ضعف الرقابة الإعلامية في السماح لأي شخص بالظهور بصفة خبير دون معايير واضحة، بينما يؤدّي نقص الوعي العام بالمنهج العلمي إلى قبول هذه الادعاءات دون مساءلة أو طلب مصادر، ومن أسباب انتشار هذه الظاهرة ملامسة عناوين المواضيع لما يهمّ حياة الناس اليومية ويتطرّق لأمور معيشتهم، وما يتمّ تناوله في المجتمع.
ومع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، أصبح من السهل تحويل الرأي الشخصي إلى تحليل، والتحليل السطحي إلى دراسة، خاصة في ظل ضعف الثقافة البحثية وصعوبة الوصول إلى الأبحاث الرصينة، وهكذا تتحول هذه المصطلحات إلى أدوات سهلة لاكتساب المصداقية دون بذل أي جهد معرفي.
وهنا دعوني أتساءل: هل تستطيع مراكز البحوث والهيئات الإعلامية الحد من هذه الظاهرة؟
برأيي المتواضع نعم، فالهيئات الرسمية والإعلامية تقع على عاتقها مسؤولية أساسية في مواجهة هذه الفوضى اللغوية والمعرفية والاجتماعيّة؛ وينبغي عليها وضع معايير واضحة تستطيع تحديد منْ يحق له الظهور بصفة خبير، وربط هذا اللقب بالمؤهلات الأكاديمية والخبرة العملية، وبإمكانها التعميم على المحطات والقنوات وصفحات الإعلام بهذا، وبإمكانها ملاحقة من يدّعي هذه الصفة دون أساس علمي، خاصة عندما يؤدي ذلك إلى تضليل الناس أو نشر معلومات غير موثوقة، أو معلومات تثير الرأي العام وتجعل الناس تتخبّط.
ومن المهم أيضًا إلزام المنصات الإعلامية بذكر مصادر الدراسات التي توردها، وتعزيز نشر الدراسات الحقيقية المبنية على منهجية واضحة، إلى جانب إطلاق حملات توعية تساعد الجمهور على تمييز المعلومة العلمية من الادّعاء المجمَّل بمصطلحات لافتة وجذّابة.
إنّ الاستمرار في في استخدام هذه المصطلحات دون حسيب ورقيب ودون ضوابط يعكس خللًا في منظومة الوعي المعلوماتي، ويهزّ ثقة المجتمع بالمعرفة، ويجعل الناس يشكّون بكل ما يُنشر.
إنّ بناء ثقافة نقدية واعية، وتفعيل الرقابة الرسمية، والالتزام بالمعايير العلمية، كلها خطوات ضرورية لاستعادة قيمة الخبرة الحقيقية، وحماية الجمهور من التضليل، وضمان أن تبقى المعرفة المعتمدة هي المرجع الأساسي في تشكيل الرأي العام.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد