غزة تصنع أفراحها رغم الألم

غزة تصنع أفراحها رغم الألم

03-12-2025 11:14 PM

كلما سقطت دمعتي، وانفطر قلبي من هول المشهد، باغتتني غزة بصوت الفرح الذي لا يموت. الزغاريد ترتفع هناك على ضفاف الأمل، والرايات ترفرف فوق سفوح الثبات، كأنما الألم نفسه يتحول إلى ترنيمة حياة.
غزة اليوم تصنع أفراحها من رحم الدمار، وتنتزع البهجة من بين الركام، لتعلن للعالم أن الحياة فيها أصلب من كل محاولات الإفناء، وأن الجذور هناك أعمق من كل محاولات القلع.

أعترفُ بضعفي الإنساني، وأحمل مواجعي بلا مواربة. كيف يُطاق كأس القهر حين يمتزج بالوجع؟ وكيف يواجه المرء مظلومًا لا ذنب له إلا أنه ابن أرضه، الحارس لمفتاح بيته وحق قدسه؟ أسئلة أثقلت الروح، ومرارتها طال أمدها داخلي.

لكن، وبينما تزداد العتمة ثقلًا، يبهرني هذا الشعب الجريح قواه الخفية. بأشعاره وألحانه يعصر الألم، لا ليبكيه، بل ليستخرج منه لحنًا آخر للحياة. هنا لا يأتي الفرح نقيضًا للألم، بل وليدًا له، ومقاومة له في آنٍ واحد.
وحين أقرأ التاريخ، أجد أن الأفراح العظيمة لم تُهدَ دون ثمن، وأن الأمم التي انتصرت لكرامتها، صنعت فرحها بدموعها أولًا، ثم بإيمانها بالصبر ثانيًا.

ومن هذا اليقين تتولد الرسالة: لا مكان للخطاب المشتّت أو الصور المعلّقة. الفرح المقاوم ليس شعارًا عامًا، بل تجربة إنسانية عاشتها غزة، التي علّمنا رموزها ومبدعوها أن وردة واحدة تُزرع في قلب العاصفة، تكفي لصنع معنى لا يُهزم. يجسّد هذه الفكرة مفهوم المرونة النفسية الذي يفسّر كيف يستمر الأمل في أقسى الظروف.

غزة لا تدافع عن حجرٍ فحسب، بل تدافع عن معنى الحياة حين تُقهر، وتصنع للوجود تعريفًا مدهشًا للفرح الذي يولد من قلب الصمود. والقدس، التي تحوي باحة المسجد الأقصى الشريف، ستبقى رمزًا ثابتًا في وجدان الأمة مهما اشتدت المحنة.
فكل دمعة هناك تحمل في طيّاتها بشارة فجرٍ قادم، وكل أنّة ألم تصاحبها أنغام فرح مؤجّل، لا غائب.

قد لا أملك رفع صوتي الآن عالياً، لكنني مثلكم أشمُّ عبير الفجر من بعيد. فالنصر حليف الصابرين، والكرامة ستبقى راية لا تنكسر.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد