وصفة لكأس العرب

وصفة لكأس العرب

10-12-2025 02:43 PM

تقترب السنة من نهايتها، وفي الوقت الذي تنشغل فيه المؤسسات الرسمية، المنجمون وهواة التنمية البشرية بإعداد كشوفها السنوية، لرصد الفضائل والاختلالات، لا حديث في المغرب الكبير سوى عن كرة القدم.

عرب مقابل عرب

في الجزائر رسميا وشعبيا ولى زمن الإرهاب، و»الإرهاب» في اللسان الشعبي الجزائري له خصوصية تحيل على حقبة تاريخية دموية وحزينة، الإرهابي هو ابن البلد الضال، معتنق الأيديولوجيات القاتلة، وهي أيضا الكلمة التي تتداولها مواقع التواصل الاجتماعي في البلد منذ أيام، وتتصدر النقاش في البلد الشاسع، بعد موجة تهليل خارجية مفادها إعلان وشيك رمزي لاستقلال منطقة القبائل من قلب باريس، الإعلان الألف بعد المليون للمغني الفاشل «فرحات مهني»، والذي يصنفه القانون الجزائري وحركته كإرهاب موصوف، في حين يكاد يختفي – حرفيا – أي وزن شعبي له، حتى أن «الراسخين» في تطور المشهد السياسي يستنكرون الاهتمام بأخباره وتصنيفه، لصفرية تأثيره، بل انحساره وتراجعه مقارنة بعقود ولت.
خطاب الشاعر المغمور، والملحن المتواضع العنصري يواجهه خطاب كروي أكثر عنصرية على الـ»سوشيال ميديا» تترامى حدوده لتشمل الشمال الإفريقي كاملا، في تطور قد يجعل «مهني يراجع قناعاته».
لمن لا يعرف العداوة الكروية بين منتخبات شمال افريقيا لا يعرف شيئا عن كرة القدم العربية والافريقية، مزيج بين الندية والقومية والشوفينية، والكثير من الانفعال والعنفوان، يبدو أن جميعها قد تهاوى على مذبح «كأس العرب». المسابقة التي لم تكن حتى سنوات قريبة غير سلسلة نزالات هامشية، بدأت منذ آخر نسخة تحجز اهتماما متزايدا. اهتمام لا يمكن أن ينكره من يتابع خرجات «ألتراس»، الفرق المشاركة ممن صار اسمهم شعبيا – على مواقع التواصل على الأقل – «عرب افريقيا»، الذين يشجعون فرقا رديفة، في حين يوفرون فرقهم الأولى للأسابيع المقبلة أين سيكونون مع «خالة الكؤوس»: كأس افريقيا، عكس من صاروا يدلعونهم بـ»عرب آسيا» المشاركين بفرق أساسية. «مظلمة» إضافية يعتقد بها – وتدفع هذه الايام – بمشجعي كل من المغرب وتونس والجزائر ومصر وكذا السودان للتكتل ودعم بعضها البعض ولو رقميا، هكذا تتكرر أمام المتابع تعليقات من شاكلة «أنا وابن عمي على الغريب»، «ماذا يعرف عرب آسيا عن الكرة»؟ «لم يعايشوا ولو ربع ما يحدث في البطولات الافريقية»، «علينا أن نتآزر أكثر من أي وقت مضى»، «مصر والجزائر بلد واحد»، «المغرب وتونس اخوة « وغيرها من التعليقات تكرس سردية مستجدة لا تأكيد بعد لصلابتها في مواجهة مطامع «الإخوة الأعداء» الكروية.

حادثة الدوحة

يقول محمود درويش في قصيدة أولى له: «يحكون في بلادنا يحكون في شجن» عن صاحبه الذي غادر وعاد في كفن، قصيدة يكررها التونسيون ككثير من أشعار صاحب «أحبك أو لا أحبك»، هم الذين دفع الاعتناق العميق لفلسطين سكان قرية بعيدة لتشغيل أغنية «وين الملايين» خلال حفل زفاف من سنوات، في حادثة استنكرها البعض يومها، في حين أكد العارفون أنها لا تخرج عن حدود أذواق بعض الفئات. لكن قصيدة درويش سترن طويلا (بتوقيت الـ»سوشيال ميديا) في آذان التونسيين – بتغيير طفيف في كلماتها – الذين أقصي فريقهم الوطني الثاني من المسابقة، التي تجري فصولها في الدوحة. السبب ما صاروا يطلقون بـ»الخديعة» التي خط تكتيكاتها فريقا فلسطين وسوريا على حد سواء – حسبهم. «وقيعة»، «خيخون في الدوحة» – في إحالة على الحادثة الشهيرة التي راح الفريق الجزائري ضحية لحسابات الفريق الألماني والنمساوي في كأس العالم سنة 1982، وأدت لتعديلات جوهرية في تسيير البطولات العالمية – أكثر كلمات تكررها جماهير «نسور قرطاج» على وسائل التواصل، في تفاعل لا يزن شيئا أمام ردود أقرب للسوريالية. « أفضل ما أنجب العالم: بشار الأسد وكوكا كولا»! «الغدر لا يأتي سوى من الأقرباء»، «قلوبهم سوداء»، «على الفيفا التدخل»!
صدمة الإقصاء الأولى سرعان ما خفت حدتها وعوضتها تعليقات أكثر بهجة: «تونسيون وفرحنا لفرح فلسطين»، «بعد كل ذلك الموت تستخسرون شيئا من الفرح في إخوان لنا».

المغرب والجزائر

لا يفكر المتابع لوسائل التواصل في الجزائر أو في المغرب إلا في زمن انتهاء الحرب الالكترونية بين البلدين، التي باتت خلطتها معروفة: شتائم، تبادل تهم غدر وخيانة، وأي خبر داخلي قابل للتحول لمادة للاستغلال خلف جدار العزل الوهمي.
النتيجة مضمونة: اضطراب، كراهية وتعب، قادرة على التميز في كل الملاعب: مأكل، ملبس، عيد وطني، زيارة رسمية، بل حتى الميزانية القومية لكلا البلدين.
«القفطان»، الكلمة التي تشير إلى زي، والتي لا يخفى وجودها في أقدم المراجع، بل تتردد في «ألف ليلة وليلة» تستعر حرب ملكية حولها بين البلدين، ينفخ فيها سماسرة وهم، رغم الممكن المشترك الذي يتجاوز حدود البلدين، وما زالت حد كتابة هذه الأسطر تشعل جدالات لم تهدأ منذ وقت، بل تكتب فصولا أفظع، يراهن المضاربون والمزايدون فيها على ذاكرة التواصل الاجتماعي الضعيفة ربما، أو على امحاء ممكن للفضاءات الرقمية، وعلى شيزوفرينيا الجحافل الرقمية بالتأكيد.
لا يتوقع عاقل أن يحظى مشجعو كرة قدم برزانة دبلوماسي، لكن أن يشجع مشجعو الجزائر فريق المغرب، ويشجع مشجعو المغرب فريق الجزائر، يتراشقون بالزهور ومعسول الكلام ويرددون على مواقع التواصل الاجتماعي: «أنا وأخي على ابن عمي»، «إنهم اسود الأطلس أقوى فرق العالم»، يكرر جزائريون، « هؤلاء حاملو اللقب احترموهم» يكرر مغاربة، فالأمر من ضروب المعجزات.
«الوصلة» الرومانسية هاته، انعكست على نتائج مباريات كأس العرب، حسب المتابعين الذين وجدوا في مصائر بعض المباريات المتشابهة، أمرا قدريا، أكدته مخرجات قرعة كأس العالم، التي سيراقص فيها الأفناك عباقرة التانغو – وإن بكثير من السخرية الذاتية والتندر من فريق ما عادوا يؤمنون بإنجازاته، بل لا تهز ضرباته على الجلد المنفوخ حناجر الجالسين على ما تبقى من مقاه، ولا تدفعهم للخروج احتفالا – في حين سيواجه فيه الأسود فريق السيليساو.
سلسلة أحداث «كروية» يقف أمامها المغاربة، كما الجزائريون متسائلين في التعليقات: «إنها وحدة المصير»، «أنتم إخواننا»، «ماذا، معجبون بهم، شاهدت للتو فيديو يشتموننا فيه»، «لعنة الله على من يذكي الفتنة بين الإخوة».

كاتبة من الجزائر



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد