الوطن .. الوطن .. الوطن

mainThumb

08-01-2012 02:04 PM

شاءت الاقدار ان يكون هذا وطننا ، وشاءت الاقدار ان يكون وطننا هذا على ما هو عليه ، واعطانا الله حق استحواذ كنوزه والسلطة على ترابه ، فماذا فعلنا به وما نحن فاعلون ؟ .

تتكون الاوطان من ثلاث مكونات ، اولها مكونات جغرافية مادية ، بما عليها من ماء وهواء وتراب واشجار وجبال ، وما تحتها من موارد مخزونة كالغاز والنفط والمعادن والمياه ، والخبايا التي تركتها الاجيال الاولى كالكنوز والاثار وما الى ذلك ، ونحن نمتلك في وطننا كل ذلك بما يكفي لاشباع حاجاتنا كلنا الذين نقطن فيه ، ولو سال احد عن مصادر المعلومات التي تؤكد موضوع الاكتفاء هذا لقلت : ايجرؤ احد ان يتساءل في موضوع العدالة في التوزيع على سطح الارض ؟ .

ويتكون الوطن ثانيا من موارد بشرية تعيش فيه ، وهي موارد متعددة الاجناس والاعمار والقدرات والهوايات والخبرات ، وهي تشكل في مجموعها عالما متكاملا من الاحتياجات اللازمة لاعمار هذا الوطن ، ابتداء من استخراج كنوزه واحتياطياته ومرورا باستخدامها في البناء والتشييد والتجارة والاعمار ، وعندنا في وطننا هذا التنوع كله ، عندنا كم هائل من الفنيين وعندنا فائض من القوى العاملة في كل المجالات ، كثير منها خارج الوطن تسعى في جلب الرزق لها ولمن تعول ويعود على الوطن الكثير من الخير من هذا الاغتراب والارقام لدى وزارة المالية تشهد. ويتكون الوطن ثالثا من عنصر يكاد يكون الاهم وهو الانسجام والتناغم بين عناصر المكون الثاني من اجل استخدام انجع السبل في الافادة من عناصر المكون الاول، وهذا ما اعتقد انه بيت القصيد وهدف البحث والتقصي والبناء من اجل ان يكتمل تكوين الوطن ومن ثم تقدمه. فاذا كانت الموارد البشرية هي التي تدير عملياتها التنقيب والبناء باستخدام عناصر المكونات الجغرافية فانها لا يمكن ان تكون قادرة على ذلك من غير تألف وتكاتف واشتراك في الرؤيا والمسؤولية تجاه الوطن . 

وقد يسأل سائل كيف يكون التآلف والتكاتف والتشارك في الرؤيا والمسؤولية وقد خلقنا مختلفين شعوبا وقبائل ؟ وهنا لا بد لنا ان نتوقف قليلا عند حفنة من الحقائق المهمة : هل نحن فقط المختلفين شعوبا وقبائل ؟ ماذا عن اليابان وماذا عن اوروبا وماذا عن امريكا ، اليسوا شعوبا وقبائل؟ ماذا عن كوريا واندونيسيا ؟ اليسوا شعوبا وقبائل ؟ كل الناس في كل الاوطان مثلنا ، عندهم التنوع والاختلاف ، وعندهم العلاقات البينية الحميمة والعلاقات البينية المتوترة ، لكنهم ازدهروا وتقدموا ، كيف ؟ ولماذا نحن حيث نحن وحيث كنا منذ عشرات السنين ؟ وهل عماراتنا الحجرية وبعض شوارعنا المزروعة باشجار الزينة في موقع واحد من الوطن دليل تقدم وحضارة ؟ وهل في جاهاتنا الضخمة وسرادقاتنا المبنية هنا وهناك وفي كل مناسبة دليل عل الحضارة والتقدم ؟ هل يغني تراثنا الغني وعادتنا الحميدة عن حاجتنا لتوظيف اختلافاتنا لكي نزداد حضارة وتقدم؟ لو ان لدينا دراسات وتحليلات علمية ونزيهة للاحصائيات التي لدينا عن اسباب الوفاة في الوطن ، وانواع الامراض بين المواطنين ، ومستوى دخل الاسر الفقيرة والغنية ومدى الفروقات بينها لعرفنا بدون عناء اسباب تاخر الركب فينا ولعرفنا لماذا تكون الدنمارك ذات الملايين المحدودة من البشر وذات الثروات الطبيعية المحدودة على راس الدول السعيدة اهلها ونحن الذين حبانا الله بكل الخيرات وكل النعم لماذا نصطف مع اخر الدول في مجال الرخاء والازدهار. 

زارني احد الالمان قبل عشر سنوات ، واردت ان اتفاخر امامه بما لدينا فحملته معي في سيارتي المرسيدس انذاك ، ودرت في شوارع واحياء عمان الغربية وكنت انظر بعض الوقت للشارع وكثير من الوقت لوجهه المبهور بالحسن وجمال المنظر ، ثم اخذته للغور وفرجته على البحر الميت وما يعنية من جغرافيا رائعة ، فازداد انبهارا ، ثم لم يحتمل ذاك الالماني الخبير في صناعة اغذية الاطفال ان يصمت اكثر مما صمت وهو يشاهد البدع التي قصدت ان اريه اياها فقال لي " انا لم اتوقع ان ارى ما رايت ، ليس لدينا في المانيا مثل الذي رايته ، وقال بصيغة مبالغة ولا حتى عندنا هذا العدد من المرسيدسات ، قلت له : هذا نحن وهذا وطننا فقال لي جملة قلبت كل الوضع على راسي حينما قال : اذا لماذا انا هنا ؟ كان من المفروض ان تأتي انت لالمانيا خبيرا وليس العكس، وذكرني بحادثة تاريخية درسناها في كتب زمان حين كنا في مدارس الحكومة الرفيعة المستوى ، قال لي اليس غريبا ان يهدي هارون الرشيد شارلمان ملك المانيا في عهده ساعة لقراءة الزمن وانتم تهدوننا الان صور من البحر الميت والبتراء؟ وهل تقوم الدول على اجترار تاريخها؟ ثم ان لديكم من الفرق في مستوى المعيشة بين ساكني عمان الغربية ومناطق اخرى لا داعي لذكرها ما يدل على خلل كبير في توزيع الثروات وها منعكس قطعا على التعليم والثقافة والابداع ، نحن في المانيا ليس لدينا هذا التطور في العمران والعمارات ولكنا ليس لدينا هذا المستوى من الفقر والعوز فالفروق بين شرائح مجتمعنا اقل كثيرا مما اشاهده عندكم ، وهذا يدل بالتالي على فرق كبير في مفهوم وممارسة المواطنة لديكم . وسكت الالماني وسكت انا فالموضوع صار عندي يدق على العظم. 

لا بد ان نسعى لخلق حالة من التوازن والالتحام والتناغم حول رؤيا موحدة للابقاء على سلامة وتقدم هذا الوطن ، ولا بد من اجل ذلك ان يشعر الغني والفقير فينا نفس الشعور تجاهه ، لا بد ان يكون الفقير منا قانعا وليس حاسدا ، وان يحصل على الحد الذي يحتاج اليه من موارد لتكون عيشته كريمه ، ولا بد للغني ان يكون شاكرا ويعطي بنفس زكية لكي يجزر الهوة بينه وبين الذي يليه في المستوى المعيشي . في كل العالم المتحضر تدفع الضرائب ، يدفعها المكلفون طوعا وحبا ، ويتباهون بانهم دافعي ضرائب ، وعندنا للاسف تسمع عن اساليب ابداعية في التهرب من دفع الضرائب او تقليصها على اقل تقدير ، في العالم المتقدم يأخذ الموظف اجازته السنوية واحيانا يتنازل عنها ، عند بعضنا من يأخذ اجازات مرضية تفوق في عدد ايامها الاجازات السنوية ، لم لا ونحن لدينا اطباء يعالجون بالاجازات لا بالادوية . 

في بريطانيا العظمى يشرب العاملون وغير العاملين الشاي مرتين يوميا في العاشرة صباحا وفي الثالثة بعد الظهر ، اما عند بعضنا فهناك موظف خاص يدور بالشاي على المكاتب بشكل دائم معظم الوقت. لا بد ان نعترف ان بيننا اختلافات ، وبان الاختلاف بيننا هو امر طبيعي ولا بد ان نحترم هذا الاختلاف ، لا بد ان تكون لدينا حرية للتفكير خالصة بلا قيود ولا خوف ولا مراقبة من احد حتى نصل الى مراحل الابداع ، وان نساهم في انشاء التجمعات والاحزاب والنقابات التي تظل في ظلها اولئك المتشابهون في الفكر والمقدرة والتخصص ، ثم يكون لدينا توجه وقوة ذاتية تعمل على ان تتجاذب تلك التجمعات وتتالف فيما بينها وتوظف اختلافاتها لبناء وصيانة وتطوير هذا الوطن ، وان يكون محرك الجماعات ورابطها جهة نشهد لها جميعا بالقدرة والاخلاص والوطنية لكي نلحق بمن سبقنا في كل المجالات تقريبا .

 لا بد ان يتحرك مبدعونا بسرعة وعلى كل الجبهات لسد الثغرات ، بداية بالتعليم ومناهجه ، وبالزراعة واساليبها وبالصناعة وقواعدها وبالادارة وتطويرها ، لان الفرق بيننا وبينهم يتزايد والهوة تكبر وبغير ذلك فقريبا سيتسع الخرق على الراقع ولات ساعة مندم ، ويجب ان لا نخجل من سؤال غيرنا ان احتجنا ، اذ لم يخجل العالم القديم لحظة انه اخذ منا ما اخذ . لقد ان الاوان ان ننفض عنا غبار التخلف والعوز ، والضعف والجهل ، ولا بد ان نؤمن بان في هذا الوطن ما يكفي لسد رمق ابنائه فتلك عدالة الله ، وعلى راي الشاعر الملهم محمود درويش فان على ظهر هذه الارض ما يستحق الحياة. يكفينا مشاعر وهمية باننا الافضل والاحسن والاخلص والاغير فالاحصائيت والدراسات لا تدل على ذلك.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد