الشعور بالنقص وباء نفسي و اجتماعي

mainThumb

16-04-2013 10:05 PM

 يقول علماء النفس بإن عقدة الشعور بالنقص هي عبارة عن سلوك يدلّ على عدم الثقة بالنفس و الإحساس الدائم بالفشل و عدم الاستقرار الداخلي  ، و إنّ هذا  الشعور هو  استعداد كامن لدى كل فرد  على اختلاف الظروف التي تحيط بنموه و تقدمه ، الشعور هذا هو شعور بالخوف الذي يفرض عليه الانسحاب بدلاً من التصدي و التقدم ، فيتسم سلوكه بالإتجاه الهروبي من المشاكل .إن تضخم الإحساس بالنقص يشلّ التفكير و يزيغ الملكات النفسية و العقلية و يصبح أداة تعطيل لا قوةً دفع نحو الأمام  .

 

يتهرب  المصابون بعقدة النقص من المسؤولية ، و الهاربون من المسؤولية هم في الحقيقة الهاربون من الواقع، لأن الواقع يتضمن المسؤولية دائماً و الهاربون من الواقع يجدون مهربهم في أحلام اليقظة و الطموح عالي السقوف  ، او في الهجوم و التهجم على بني البشر للتظاهر بالقدرة الخارقة مداواة لما يشعرون به من الضعف و الوهن ، و هؤلاء الناس يتخذون التحدي باستمرار سبيلاً و منهج حياة في تعاملهم اليومي.
 
إن الشعور بالنقص وباء خطير و من الأمراض النفسية الأكثر شيوعاً في هذا الزمن  ، حيث يعزى  إلى الظروف الخاصة بالعصر الذي نعيش ، إن الأمراض النفسية بمجملها عائد إلى الظروف الاقتصادية و الاجتماعية و التغيرات السلبية التي حلت بالمجتمع ، و ما صاحب ذلك من عدم نضج نفسي ، و عدم تحمل المؤسسات الأسرية و التربوية و الإ علامية و الدينية لمسؤولياتها  ، و ترك الحبل على الغارب ، و لهذا شاعت بين أبناء العصر الحاضر التنكر للمسؤولية و عدم تحملها كما يجب .
 
و من أعراض الشعور بالنقص أن يتميز الانسان بحساسية مفرطة مبالغ فيها، و شعور بالهوان و يظهر هذا الشعور على شكل ملل مستمر و عدم تلذذ بشيء مما يحيط به، سواء في العمل أو في البيت ، و يبدو الشخص غير مكترث لأي شيء. وفي أحيان أخرى يبدو الشخص متغير الأحوال تتداوله نوبات من الصمت العميق حيناً و من الثرثرة حيناً آخر ، و يصاحب الصمت ثبوط الهمة أو التشاؤم أما نوبات الثرثرة فيصحبها التهلل و المرح الصاخب.
 
و أخطر ما يكون الشعور بالنقص عند من يتخذون مسلكاً عكسياً فبدلاً من تحقير أنفسهم و الشعور بهوانهم ، يختطون تحقير الناس و التهوين من شأن المجتمع و ما فيه و من فيه ، و إذا رأيت فرداً أو شخصاً يتكلم بلهجة التعالي أو التعالم أويظهر بمظهر الخيلاء و انتفاخ الأوداج ، فاعلم أنه يعاني شعوراً بنقص في علمه أو مكانته الاجتماعبة أو نسبه، و كذلك إذا  صادفت شخصاً يقحم في كلامه ألفاظاً علمية اصطلاحية في غير موضعها أو تعبيرات أجنبية في غير محلها فهو شخص مطعون في ثقافته ، و إذا رأيت فرداً يبالغ في تأنقه ، فاعلم بأن ذلك نوع من أنواع المبالغة في الظهور و طريقة من طرق تعويض الشعور بالنقص.
 
إنّ الشعور بالنقص في أصله شعور عام جداً لا يخلو منه بشر ، حيث أن الإنسان ناقص بطبعه و أن وجود النقص ليس عيباً ،   و إنه يهدينا إلى ما يجب أن نستكمله من نقصنا و نقويه من ضعفنا. لكن التضخم المرضي في ذلك الشعور هو الذي يؤدي إلى العاهات و الاضطرابات و الأمراض النفسية. لذلك على كافة المؤسسات أن تحصن الناشئة من مركب النقص و مضاعفاته وذلك بتعليمهم الطريق السليم للتعويض حتى لا يتورطوا بالتعويضات الملتوية التي تشوه سلوكهم و شخصيتهم. و من الحماقة أن نتجاهل ذلك الواقع و نتركه يتضخم و إنما السلوك السويّ يكون بمواجهة موضع النقص بهدوء و التفكير في أحسن الوسائل لتلافيه فعلاً أو تحسينه ، و علينا اقتلاع الحشائش الضارة بدلاً من تجاهلها فتستفحل و تخنق الزهور التي نتباها بجمالها.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد