من العوجا مع التحية ! -د. عبد الملك بن أحمد آل الشيخ

mainThumb

31-03-2015 11:15 AM

شكلت الثورة الإيرانية على يد آية الله الخميني منعطفا مهما في العلاقات العربية الإيرانية، أضاف أبعادا جديدة لتلك العلاقة، وما إعلان الخميني في وقتها من أن الهدف الرئيسي للثورة هو تحرير القدس ومحاربة الاستكبار العالمي والقضاء على إسرائيل إلا إرهاص للسلوك السياسي الإيراني المرتبط بذلك التحول. وقد تركزت جل التحليلات والدراسات الأكاديمية بعد قيام الثورة وخصوصا الغربية منها على تحليل أبعاد السياسة الخارجية الإيرانية المستقبلية مع الغرب. ونادرا ما تم تحليل أثر ذلك الإعلان على المجتمعات العربية وبنيتها السياسية وعلاقتها التاريخية بالشعوب الإيرانية. وبعد مرور ما يزيد على 35 عاما على قيام الثورة الخمينية، وسعيا لإثارة النقاش حول ذلك، وضعت الفرضيات التي قد تسهم في فهم هذه الثورة وأهدافها. ويتلخص ذلك بطرح فرضية ومحاولة اختبار صحتها، عن طريق طرح السؤال التالي: ما هو تأثير الثورة الخمينية في الركائز الأساسية في العلاقات الدينية والتاريخية بين المجتمعات العربية والفارسية؟ وهل أسهمت الثورة في تعزيز هذه العلاقة؟
تمكنت هذه الثورة من إسقاط نظام الشاه، حاملة شعار الإسلام وتحرير القدس والموت للشيطان الأكبر وإسرائيل، وحظيت تلك الثورة بقبول أكثر لدى الحركات الإسلامية السياسية أو ما يعرف بالإسلام السياسي وغيرها من الحركات السياسية الأخرى التي تتصادم أفكارها مع الحكومات العربية. واستطاعت هذه الحركات أن تدغدغ مشاعر معظم المجتمعات العربية بكافة طوائفها، فوقفت تلك المجتمعات بجانب الثورة الإيرانية التي تزعمها الملالي متسامية فوق البعد الطائفي لها، أملا أن تكون هذه الثورة مفتاحا لتحرير القدس الشريف. وقد كان هذا التعاطف الشعبي العربي الكبير يرتكز في أساسه على قاسم مشترك يجمع العرب مع الفرس وهو الحضارة الإسلامية، فهناك مزج بين الدين والدولة، وهناك في البلدان العربية من يتكلم الفارسية وقد هاجر لأسباب معيشية أو سياسية من الضفة الإيرانية، وهناك في الضفة المقابلة الإيرانية من يتكلم العربية وعاش هناك لفترات طويلة، كما توجد علاقات اقتصادية موغلة في القدم. فالحضارة الإسلامية هي الجوهر والمشترك العام، الذي يربط بين الشعوب العربية والإيرانية، مع تعدد الهويات لدى العرب والإيرانيين، أي أن هناك اختلافا في الفروع وتوحدا في الأصول، فالحضارة الإسلامية هي العنصر المشترك والدائم بين هذين الشعبين.


وبعد مرور سنوات من اندلاع الثورة، بدأت تتغير تلك الصورة المثالية للثورة الإيرانية، والجوانب الدينية والحضارية التي ظنت الشعوب العربية أنها تجمعها بها، فقد بدأت بعض المنغصات السياسية المذهبية، التي اختلقها النظام الحاكم في طهران، تظهر على السطح، فألقت بظلال كثيفة على تلك العلاقات الثقافية المشتركة، نتيجة لذلك التحول، بل انكشف الوجه الحقيقي للثورة الإيرانية، ذات السمة الطائفية العنصرية، والمتشددة، التي تتحصن فيها. وبعد مرور أكثر من 35 عاما من قيام الثورة، والتي باركتها الشعوب العربية في وقتها، أرادت غدر شعوب المنطقة العربية وإدخالها في صراعات طائفية، من خلال إيجاد بؤر سياسية مسلحة كحزب الله في لبنان وعصائب الحق في العراق والحوثيين في اليمن، التي تتدثر بوشاح الطائفية البغيضة في مجتمعاتها، تحقيقا لسياسة التوسع الفارسي، تغذيها مصالح فئوية داخل المؤسسة الحاكمة في طهران ممثلة في الحرس الثوري والتي ترى أن من مصلحتها بذر الفرقة الطائفية بين شعوب المنطقة العربية لتحقيق أهدافها الاستعمارية.


ولا أظن أن هناك نظاما في العالم كله، استطاع طوال خمسة وثلاثين عاما أن يغيب وعي الرأي العام في العالم العربي والإسلامي كالنظام الإيراني.. ذلك النظام الذي طالته تهم المجتمع الدولي، من قمع لمواطنيه، ورعاية للإرهاب وطائفيته المقيتة، ورغم ذلك كله يستطيع هذا النظام وبقدرة قادر الاستمرار في تنفيذ أجندته المتعلقة بالعالم العربي فقط! وعلى مرأى من المجتمع الدولي بل وبمباركة منه!! بل استطاعت أبواقه الإعلامية الموجهة لشعوبنا وفي غفلة منا باستغلال التناقضات الموجودة في دول العالم العربي، أن تقيم زفة تلو الأخرى يتبارى فيها خطباؤه ومأجوروه من بني جلدتنا، بكافة طوائفهم ومشاربهم في تغييب وعي شعوبنا منذ قيام الثورة وإلى وقتنا الحاضر، وبغباء سياسي مؤسف، (على الرغم من انكشاف المستور) بشعارات حول تحرير القدس ومحاربة الاستكبار العالمي والموت لأميركا وإسرائيل ومناصرة المستضعفين، بل إن كبيرهم الذي علمهم السحر، قد أخبرنا وقبل 35 عاما بأن تحرير القدس يبدأ من بغداد، وبعد أن أسقطوا بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء وأصبحت تحت سيطرتهم، تبين للبعيد قبل القريب بأنهم أبعد ما يكونون عن الإسلام وأن نياتهم الحقيقية ليست تحرير القدس وغيرها من شعارات، بل هي نيات عدائية وعنصرية تجاه العالم العربي تصحبها رغبات توسعية، وهذا ليس ادعاء ولكن هذا ما تثبته تصريحات المسؤولين الإيرانيين الأخيرة والمتتالية ومنهم علي يونسي مستشار الرئيس الإيراني الذي قال في منتدى الهوية الإيرانية المنعقد في طهران في 8 مارس (آذار) 2015 «إيران اليوم أصبحت إمبراطورية كما كانت عبر التاريخ وعاصمتها بغداد حاليا وهي مركز حضارتنا وثقافتنا وهويتنا اليوم كما في الماضي» وهو بذلك يشير إلى إعادة الإمبراطورية الفارسية الساسانية قبل الإسلام، التي احتلت العراق وجعلت المدائن عاصمة لها. وهنا يتضح أن ما نسجوه من أوهام في الوجدان السياسي والديني لشعوبنا، حول حملهم لراية الإسلام وتحرير القدس ومحاربة الاستكبار العالمي، والقضاء على إسرائيل ما هو إلا غطاء لمخططاتهم الإمبراطورية في العالم العربي، وهنا لا بد للشعوب العربية والإيرانية أن تعي بأن النظام الحاكم في طهران وثورته الخمينية قد أسهم وبشكل عميق في إيجاد شرخ كبير في تلك العلاقات التاريخية بين المجتمعات العربية والإيرانية وأنه آن الأوان لكي تقف الشعوب العربية والإيرانية معا لوقف هذا التدهور في العلاقات بين الشعبين وترميم ما يمكن ترميمه للحفاظ عليها. وعلى الحكومات العربية أن تساند شعوبها والشعب الإيراني بكل أعراقه وطوائفه لتحقيق ذلك وبكل السبل، مع العمل على إيجاد محور عربي إسلامي لمواجهة التهديدات التوسعية الإيرانية وغيرها من تهديدات تطال عالمنا العربي والإسلامي، والذي بدت نواته على يد زعيم طالما انتظره العرب والمسلمون، زعيم يجمع الحكمة والحزم.. زعيم يعيد للأمة العربية والإسلامية مكانتها وكرامتها ويحفظ أمنها واستقرارها، ذلكم هو الملك سلمان بن عبد العزيز الذي استطاع وفي فترة وجيزة جدا ومن خلال عمل دبلوماسي دؤوب أن يرأب الصدع العربي والإسلامي وأن يوحد الكلمة والعمل، فهو صاحب إرادة الحزم والحسم، ومن العوجا في الدرعية العاصمة التاريخية للدولة السعودية، يرسل رسالته الأولى عاصفة الحزم، لمن يهمه الأمر، وهي رسالة ذات دلالات واضحة لمن يفهم السياسة وشفراتها، يقول فيها ذلك الزعيم العربي والإسلامي: من العوجا مع التحية!

 

* الشرق الاوسط



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد