طريق المفاوضات الشائك - رياض نعسان أغا

mainThumb

30-04-2016 09:27 AM

قال لي صحفي روسي بعد توقف المفاوضات السورية في جولتها الثالثة «إن لم تقبلوا بما هو مطروح عليكم فليس أمامكم حل سوى التقسيم»، وعملياً أفاد بعض الكرد من حالة الفوضى والضعف التي تمر بها سوريا، واقتطفوا حصة لهم في شمال سوريا، وتوالت التهديدات بأن يقتطف النظام بدعم من إيران و«حزب الله» وروسيا حصة كبرى تكون سوريا «المفيدة»، بحيث تبقى «غير المفيدة» مناطق صراع طويل وحرب دولية ضد الإرهاب، وتتم فيها معاقبة يومية لأولئك الذين تمردوا على الذل ليذوقوا هول العذاب في مدن وقرى مهدمة لم يبق فيها شيء من شروط الحياة الكريمة! وهذا المخطط المهدد تنفيه الرؤية الدولية التي لا تزال تستند إلى بيان جنيف وما صدر من قرارات دولية عن مجلس الأمن، وكلها تعلن الحفاظ على سوريا وأراضيها موحدة. لكن هذه القرارات التي قبلت بها المعارضة بوصفها حلاً سياسياً يوقف شلال الدم، تبدو ضعيفة وغير ملزمة لحكومة النظام، وهذا ما جعله يستهين بها فيرفض تشكيل هيئة حكم انتقالية على الرغم من أنها تضمن للنظام بقاءه واستمراره مشاركاً في الحكم (عدا من سفكوا الدماء السورية من أركانه ورموزه). ولكن هؤلاء هم الذين يسيطرون على القرار الرسمي في سوريا ويمنعون الوصول إلى حل سياسي، وهم الذين يصعّدون الهجوم على المدن السورية، وهم اليوم يرتكبون مجازر وحشية في حلب بدعم روسي، متذرعين بأنهم يحاربون الإرهاب بقصف عشوائي يدمر الأحياء السكنية بشكل جماعي، ويستهدف المستشفيات، وقد كان من الضحايا الأطباء والمرضى والأطفال! وقد انتشرت صور هذه المجازر المريعة التي ارتكبها النظام يوم أمس، ويبدو أن الروس شعروا بفظاعة هذه المجازر فطالبوا السكان والمعارضة المعتدلة بالابتعاد عن الإرهابيين. ويبدو هذا الطلب نوعاً من التعجيز لعدم وجود مناطق آمنة يمكن أن يلجأ إليها السكان، فالقصف الجوي يدمر كل المناطق، والنظام والروس والإيرانيون يرون السكان جميعاً حاضنة للإرهاب، وهذا ما يجعلهم يقتلون الجميع في حرب إبادة شاملة.
 
 
 
إن استمرار هذه الهجمة سيقضي على الأمل بالوصول إلى حل سياسي، وسيجعل المفاوضات في هذه الأجواء الدموية نوعاً من التعمية على رؤية شلالات الدم الذي ينزف، والجوع الذي يقتل المحاصرين والتعذيب الذي يتشهّى معه المعتقلون أن يريحهم الموت مما هم فيه من بلاء همجي.
 
 
 
والمفجع أن روسيا التي صار بيدها ملف القضية السورية تلعب دورين متناقضين، فهي الدولة الراعية للحل السياسي المنصف والعادل كما يفترض، وهي في الوقت ذاته الدولة الداعمة للنظام بكل ما تملك من أسلحة وقوة، ولولا طائراتها التي تقصف المدنيين منذ خمس سنين لوفر السوريون نصف مليون ضحية على الأقل، ولما نزح سكان سوريا وهاجروا وعرضوا أنفسهم للموت غرقاً في البحار. وستبقى هذه المسؤولية الأخلاقية أمام الشعب الروسي الذي لن يتحمل وزر أن يقتل السوريون وأن يشردوا باسمه، ولابد أنه سيحمّل حكومته هذه المسؤولية. وإن كنا نفهم دوافع إيران و«حزب الله» للتدخل العسكري السريع للدفاع عن النظام ضد شعبه، وهي دوافع توسع طائفي مذهبي وعرقي وتاريخي وإمبراطوري، فإننا لا نقتنع بالدوافع الروسية. ولئن كانت روسيا تبحث عن مصالح لها فإن المصالح الدولية تحفظها الشعوب وليس الحكومات المستبدة، وتحرص الشعوب في علاقاتها الدولية على تبادل المصالح، وليس لدى شعبنا ما يدعوه إلى رفض مصالح مشتركة.
ويعرف الروس أن العقدة الكبرى التي تواجه الحل السياسي هي إصرارهم على بقاء الأسد وأركان حكمه الذين دمروا سوريا وقتلوا شعبها، وأحياناً يقول الروس إنهم غير متمسكين بالأسد لكنهم لا يجدون بديلاً. ويبدو هذا التبرير غير لائق أمام هول المأساة، وسيكون من المحال أن تصل المفاوضات إلى حل سياسي يقوده الأسد وأركان حكمه، ولن تتمكن المعارضات التي صنعها الروس مع النظام من الوصول إلى حل يعيد إنتاج النظام ويمنحه شرعية جديدة، وسيبقى السوريون أولياء الدم أوفياء لمطالبهم، مصرين على أن يتحقق انتقال حقيقي من دولة أمنية مستبدة، إلى دولة مدنية ديمقراطية.
 
 
 

صحيفة "الاتحاد" 



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد