الديمقراطية وإخفاقات الوعي العربي - هوازن خداج

mainThumb

26-07-2016 09:34 AM

وجود حكومة ديمقراطية لا يعني، بالضرورة، وجود مجتمع ديمقراطي يتم فيه ترسيخ علاقة سليمة بين الشعب والحكومات وفق ضوابط مؤسساتية يفرضها الأفراد عبر صناديق الاقتراع والدساتير الحرة التي تكف يد الاستبداد والانفراد بالسلطة.
 
 
 
نالت فكرة الديمقراطية حظوة كبيرة في الساحات الإعلامية العربية وشكلت قضية أساسية ومحورية لدى الجماعات السياسية والحقوقية، باعتبارها الوسيلة التي تمكّن الجماهير من انتزاع حقوقها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وصياغة مستقبل مختلف وعالم أفضل.
 
 
 
 
الديمقراطية من القضايا الطارئة على مجتمعاتنا العربية، وتزامن تصاعدها مع تصاعد الضغط الإعلامي الغربي الذي يعتبر هذه الدول من أكثر الدول التي تمارس الاستبداد بشكل مباشر وتعاني مشكلات شائكة بالنسبة إلى الحفاظ على حقوق الإنسان، فمنذ انقضاء عصر الخلفاء الراشدين واعتماد “نظام الشورى” كنظام شبه عادل وبمعنى مجازي شبه ديمقراطي يقوم على استشارة الشعب أو نوابه، تحول الحكم نحو الاستبداد.
 
 
 
الأقطار العربية عرفت في عشرينات وثلاثينات القرن الماضي مجالس نيابية ودساتير كان من الممكن أن تمثل بذرة للديمقراطية، ولكن التجربة فشلت سريعا بسبب غياب الوعي والقوى السياسية القادرة على إنجاح التجربة، بالإضافة إلى عوامل متنوعة اقتصادية واجتماعية وثقافية وفكرية وتاريخية أدت إلى وجود سلسلة مترابطة من علاقات التسلط والرضوخ، التي يعانيها الأفراد ابتداء من الأسرة والعلاقة بين الأب والأبناء، ثم المدرسة والعمل، وصولا إلى علاقة الاستبداد بين الحاكم والمحكومين كطريقة لإدارة شؤون الناس في هذه البقعة الجغرافية التي لم تؤهلها مسيرتها لخوض قفزات نوعية وتطورات حياتية تنتج جيلا جديدا من العلاقات والمفاهيم لكسر حلقة التسلط، وتوجب الظهور القوي للأحزاب والمجالس النيابية وأشكال القيادات ومراكز القرار اللازمة لإدارة شؤون المجتمع والدولة، وتساهم في بناء آلية للتداول السلمي للسلطة وتأصيل النظم الديمقراطية.
 
 
 
فربيع الشعوب العربية ورغبتها في الحرية، أو الإطاحة بالطغاة في ظل غياب المؤسسات القوية والشاملة، لا يؤديان بالضرورة إلى غرس النهج الديمقراطي وجعل الديمقراطية عملية مستدامة ما لم ترافقهما ثورة تشمل كافة مناحي الحياة.
 
 
الكارثة الحقيقية في الفشل الحضاري عند العرب والذي لا يتسم فقط بغياب العدل بل في غياب الوعي الذي يكمن في هيكلية الدول التي ابتعدت عن التغيرات الإنسانية الكبرى في بناء العلاقات بين الأفراد وبين المجتمع والسلطة، والاكتفاء بالتركيز على المظاهر الخارجية لهذه المشكلة والتي تتجلى في سيطرة أفراد أو فئات قليلة على مقاليد السلطة وممارستهم للقمع والعسف السياسي وعدم سماحهم للرأي المعارض بأن يعبر عن نفسه، ما هي إلا نتاج لسبب رئيسي وهو طبيعة الثقافة السياسية السائدة في الوطن العربي والتي تؤدي إلى تكريس النظم التسلطية وعرقلة بناء المجتمع الديمقراطي، وإن مصطلحات كالبرلمان والمعارضة والمحكمة العليا والدستور والأحزاب، وصناديق الاقتراع التي تعطي انطباع حكم الأغلبية دون أن تقارب مزاياه، لن تشكل حلا للمشكلة، فوجود حكومة ديمقراطية لا يعني، بالضرورة، وجود مجتمع ديمقراطي يتم فيه ترسيخ علاقة سليمة بين الشعب والحكومات وفق ضوابط مؤسساتية يفرضها الأفراد عبر صناديق الاقتراع والدساتير الحرة التي تكف يد الاستبداد والانفراد بالسلطة.
 
 
 
مفهوم الديمقراطية الذي استعمل في البلدان العربية مازال شعارا غامضا وممجوجا، ويحتمل كافة المفاهيم والتأويلات حسب المرجعيات الثقافية والسياسية والموروثات الدينية، ولا يمكن اعتباره العصا السحرية لانتشال هذه البلدان من مآزقها المتنوعة، ولن يجدي نفعا دون إيجاد البنى الكفيلة بنجاحها، وتأسيس ثقافة سياسية تتجاوز رواسب الانحطاط وموروث الاستبداد وتشيع النهج الديمقراطي في كافة مناحي الحياة، وتعيد صياغة العلاقات على أسس جديدة تلغي معضلات التمييز الطائفي والعرقي والقومي وتعيد إلى التنوع متطلباته، وقد يكون أهم ما في الأمر بناء مواطنين متساوين أمام القانون، وفق رؤية ثقافية تحول دون بروز السياقات الاجتماعية والسياسية المفضية إلى التفرد بالحكم.
 
 

التحول نحو الديمقراطية كضرورة لاستمرار وتقدم الدول، لم ولن يتحققا عبر المواعظ والخطابات، بل عبر قفزات وتحولات اقتصادية وثقافية وسياسية هامة تقوم بتحويل الحياة المجتمعية إلى بيئة صالحة للتحول الديمقراطي بحيث تكون الديمقراطية كثقافة وآليات ووسائل ونظم، هي السائدة في الحياة السياسية وإدارة شؤون الدولة والسلطة، كما هي جزء حيوي في النسيج الاجتماعي والثقافي. 



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد