رأفة بالأطفال - هيفاء بيطار

mainThumb

31-07-2016 09:26 AM

ثقافة الإجرام والعنف هذه سوف تؤدي إلى المزيد من الإجرام والكراهية بين الناس، فهؤلاء الأطفال سيكونون شباب المستقبل لكن أيّ موروث يحملونه.
 
 
 
 
تكثر الفيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي التي ترينا جرائم وحشية بحق رجال ونساء وأطفال، وآخر ما شاهدته -كما شاهده الملايين غيري- فيديو يصور قطع رأس طفل لا يتجاوز التاسعة من عمره. لم أستطع مشاهدته كاملا إذ أصابني دوار من الذهول بسبب وحشية هؤلاء الرجال الذين ينتمون لتنظيمات إرهابية، ولست مع طمس الحقيقة بل على العكس يجب أن نعرف كلّ ما يجري في عالمنا الذي غلبت الوحشية عليه، لكن لو عرفنا أن ملايين الأطفال يشاهدون هذه الأفلام، وملايين الأطفال حضروا العملية الوحشية لقطع رأس الطفل لأدركنا أننا نُجرم في حق هؤلاء.
 
 
 
 
معروف في علم النفس، وخاصة علم نفس الطفل، أن مشاهد العنف والسلوك العنيف تتراكم في لا وعيه وتحوله -دون أن يدرك- إلى شخص عنيف يؤذي نفسه وأقرانه، فالطفل لا يملك الحكمة ولا الخلفية الثقافية والمعرفية لاستيعاب وتحليل هذه الجرائم، بل إنها تترسّخ في عقله وتحوّله إلى طفل عدواني، وقد حدثتني إحدى الأمهات أن ابنها صار مُولعا بأفلام العنف وبأنه يجد لذة كبيرة في اصطياد القطط الصغيرة حديثة الولادة ووضعها في وعاء يُحكم إغلاقه عليها ويتفرّج عليها بمتعة سادية كيف تختنق حتى الموت!
 
 
 
وحكت أمّ أخرى أن ابنها وبعد أن شاهد فيديوهات على الفيسبوك واليوتيوب لقتل رجال حرقا أو قطع رؤوسهم أصبح يصطاد السحالي في قريتهم ويقطع رؤوسها بالسكين وهو يُطلق صرخات فرح مجنونة. وتكفينا الفضائيات التي تعرض لنا الكثير من الجرائم الوحشية، ومن ينسى منظر الطيار الأردني معاذ الكساسبة وهو سجين قفص تم حرقه داخله! ألم يشاهد كل أطفال العالم العربي -وربما العالم كله- هذا المشهد! ترى هل يبالي أحد بالأذى النفسي الذي يصيب الطفل.
 
 
 
كما أنّ هنالك فضائيات متخصّصة في أفلام العنف وأعرف العديد من الأطفال والمراهقين يتابعونها وتؤثّر فيهم تأثيرا “كارثيا”، تؤثّر على صحّتهم الجسدية والنفسية معا، وقد عاينت العديد من حالات أوجاع بطن حادة وآلام رأس لدى أطفال تبيّن أن لا سبب عضوي يكمن وراءها، إنما السبب الرئيسي يكمن في أنّ هؤلاء سقطوا أسرى لأفلام العنف.
 
 
 
تعامل الأطفال مع بعضهم البعض صار عنيفا، وأصبحت الدمية المفضلة لدى الطفل البارود أو السكين، أو العصا أحيانا ومنذ أيام تم إسعاف مراهق في الرابعة عشرة من عمره لأن رفاقه وزملاءه في المدرسة ضربوه بضراوة وشراسة على ظهره لدرجة أدّى هذا الضرب إلى تمزّق في كليته وصار يتبول دما!
 
 
 
للأسف لا توجد رقابة على مواقع التواصل الاجتماعي، فالكل ينشر ما يريد دون أن يخطر بباله أيّ أذى يسبّبه للآخرين وخاصة الأطفال، وحتى الفضائيات لا تراعي تأثير مشاهد العنف على الطفل، بل هنالك محاولات من قبل جهات متطرفة لتجنيد الأطفال وتدريبهم على العنف، وقد عرضت عدة فضائيات أفلاما وثائقية عن تجنيد الأطفال وتدريبهم على الذبح والقتل، حتى الفتيات لم ينجين من هذه المحاولات.
 
 
 
ثقافة الإجرام والعنف هذه سوف تؤدي إلى المزيد من الإجرام والكراهية بين الناس، فهؤلاء الأطفال سيكونون شباب المستقبل لكن أيّ موروث يحملونه؟ سوى ثقافة الذبح والقتل والكراهية، التي قد تصل أحيانا إلى قتل الأهل أو الإخوة كما عرضت عدة فضائيات صورة التوأمين اللذين ذبحا أمهما وأباهما ولم ينج من الموت إلا أخوهم الصغير بأعجوبة! ترى أيّ أفكار زُرعت في عقل هذين المُراهقين وغيرهم؟ وما هي الأفكار التي تجعل من طفل وحشا لا حدود لوحشيته؟
 
 
 
روى كاتب من سيراليون سيرته الذاتية في رواية “الطريق الطويل” حين جندته عصابة هو ومجموعة من أقرانه ليقتلوا ويستأصلوا حناجر الضحايا، وكانوا يجبرونهم أن يحضروا ليروا يوميا أفلاما عنيفة لأكثر من عشر ساعات متواصلة ويخلطون طعامهم ببودرة الرصاص والمورفين، فيتحول الطفل إلى وحش، وقد ذكر الكاتب بكل مصداقية أنه قتل أكثر من ستين رجلا واستأصل حناجرهم، إلى أن تم إنقاذه عن طريق جمعية تبشيرية أميركية تهتم بالأطفال وضحايا الحروب، واستغرقت فترة إعادة تأهيله أكثر من ثلاث سنوات كان يصرخ فيها مرعوبا مما ارتكب من جرائم.
 
 
 
هذه الرواية الواقعية تعكس إلى حد كبير ما يحصل لأطفالنا حين يشاهدون أفلاما عن العنف على مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة أن دور الأسرة تقلّص إلى حد كبير في التأثير على الأطفال وصار الإعلام يتحكّم في الطفل وأهله.
 
 
 
من يقي أطفالنا من ثقافة العنف الوحشية؟ ومن يُدرك مخاطر تلك الأفلام التي تحوّل الأطفال إلى مجرمين صغار يتلذذون -دون وعي منهم- بالعنف والإجرام كما لو أنهم يمارسون لعبة؟ لماذا هذا الإصرار على عرض الصور الوحشية التي ستؤدي إلى هلاك المجتمع حيث الكل يصير خاسرا؟ وما نفع الإنسان حين يخسر إنسانيته وحين يتحول إلى وحش ينافس أشد الوحوش ضراوة في الأذى النفسي والجسدي؟


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد