لا خيبات أمل بعد اليوم - هيفاء صفوق

mainThumb

24-08-2016 09:48 AM

< الحياة محطات ومراحل يعيشها الفرد بـ«حلوها ومرها»، متقلبة متغيرة لا تثبت على حال، من حال الفرح إلى الحزن، من مشاعر الغضب إلى الهدوء، من موقف الألم إلى الأمل، من مرحلة الضعف إلى القوة، وهكذا سلسلة كبيرة جداً من التقلبات والتغيرات، بعضها إيجابي وبعضها سلبي، وجميعها تحت سيطرة الفرد في كيفية تقبل ذلك.
 
 
 
 
ربما لا يستطيع تغيير بعضها، لكنه يستطيع بجدارة «الاختيار»، نمتلك فرصاً عدة وجميلة وعميقة في حياتنا إن أحسنَّا الاختيار، وليس بضرورة أن تكون كل اختياراتنا موفقة، بل إن بعضها خاطئ لكن نتعلم منه. لابد أن ندرك قوانين الكون التي أوجدها الله سبحانه وتعالى منها قانون التغيير، فلا شيء يدوم، كل شيء له مراحل نمو وانتعاش ونضج وذبول وانتهاء، نشاهد ذلك في الإنسان والحيوان والنبات، أيضاً في الحضارات والثقافات، تمر بمراحل عدة، النمو والقوة ومن ثم تهبط قليلاً قليلاً حتى الانتهاء أو الموت إن صح التعبير، حلقة دائرية كونية لكل شيء، حتى الطبيعة ذاتها تتقلب من ليل ونهار، وتمر بالفصول الأربعة المتناقضة عن بعضها. عندما ندرك حقيقة حركة الأشياء من حولنا هنا نستوعب أن كل المواقف في حياتنا غير ثابتة، أفراد، أصدقاء، أحباب، وأهل، يتعرضون لهذه التغيرات من سفر وانتقال، وانفصال، وموت، لا شيء يدوم، والأهم من كل ذلك كيف نركز على المشاعر الإيجابية التي تخصنا في عالم متغير، حتى الأبناء مرحلة يعيشون معنا ثم يكبرون ويستقلون بحياتهم الخاصة لتكوين أسر جديدة. بعضنا يشعر خلال هذه المراحل بـ«خيبات أمل»، وأن الدنيا مخادعة أو أن الآخرين سلبيون، لازلنا نمتلك الخيار في نهجنا وتفكيرنا ومشاعرنا، بخاصة عندما نمتلك الوعي بأن نسيطر على مشاعرنا ومواقفنا من كل تلك التغييرات، ولا سيما المؤلمة منها والقاسية. في المواقف الصادمة أو الدرامية بوفاة أو افتقاد أحد، أو لهجرة مكان وانتقال لآخر، لابد أن نراعي نقاط عدة مهمة تساعدنا في تجاوز ذلك:
 
 
 
 
أولاً: علينا الاعتراف بهذه المشاعر، علينا أن نعترف لأنفسنا أننا فعلاً نعيشها ونواجهها وجهاً لوجه، هنا نتأمل المشكلة شيئاً فشيئاً حتى تتقلص المشاعر وتهدأ، ونقضي على عنصر المقاومة الذي ينشأ من نكران مشاعر الألم، وتختفي أيضاً الحيل الدفاعية التي يقع فيها الفرد أثناء المشاعر السلبية أو «خيبات الأمل» والصدمات، كأن ينظر إلى نفسه أنه ضحية أو عاجز، هناك فرق بين أن تعترف وتشعر وأن تقاوم وتتألم وتتوهم فهو في الأخير اختيارك، ولن يساعدك أحد أبداً غير نفسك.
 
 
 
 
ثانياً: أن نحترم أنفسنا بتقبل كل ما مر علينا، فلا ننظر لها بازدراء أو ضعف أو ينتابنا شعور الانتقام، نحترم ظروفنا ونتقبلها برضا، أي الاعتراف بالألم ومن ثم احترامه وتقبله، ونؤمن أنها مسالة وقت وسنتجاوزها.
 
 
 
ثالثاً: يأتي عنصر الأمل والتفاؤل من طريق النظرة الإيجابية في الحياة، وأن حياتنا تخضع لقوانين عدة من ضمنها هذا التغيير، مع الاعتقاد أن كل شيء نتعرض له درس مفيد نتعلم منه بأن نكون أكثر وعياً ونضجاً، وهناك فرق بين أن ننظر للحياة بسلبية أو إيجابية!
 
 
 
رابعاً: عندما تتشكل القناعة والاعتقاد بأننا لسنا الوحيدين ممن يتعرضون لهذه التقلبات أو الأزمات، وأن من يمتلكون النظرة الإيجابية في القبول والتقبل هم الوحيدون الذين يستطيعون تجاوز هذا الألم أو هذا التغيير، هنا سنتعلم قيمة الحياة.
 
 
 
خامساً: بعد الاعتقاد ستتولد مشاعر الإيجابية من جديد، لكن بعد التخلص من القديم، لأننا هنا تركنا مساحة للإيجابية أن تمكث فيه، من هنا تولد أو تصنع الإرادة القوية، التي هي المحرك الفعلي التي تساعد على الانتقال من حال إلى حال، من موقف إلى موقف، بروح قوية مدركة ماذا تفعل.
 
 
 
سادساً: صنع برامج تساعد في عملية الانتقال والتغيير، وبخاصة تلك البرامج الممتعة التي تثير البهجة والسرور، أحياناً نحصل على ذلك من المحيط الذي نعيش فيه، صداقة قوية تساندنا، أو مجالسة العائلة بحب وانسجام، أو عمل ما نرغب به من رياضة ومشاهدة الأفلام، أو عمل محبب، لكن لا يكون وسيلة للهروب، لأن هناك من هربوا للعمل من دون التخلص من المشاعر القديمة، وللأسف ظهرت لهم حتى في أعمالهم.
 
 
 
يأتي هذا بعد إدراك حقيقة «الاختيار»، وأننا المسؤولون أولاً في عملية التغيير أو التقبل أو المشاعر أو الحركة والانتقال من حال لآخر أو من موقف لآخر، ولابد أن ندرك أن الحياة فيها كل شيء، وبيدنا أن نصنع الأشياء التي نرغب بها قدر ما نستطيع، وأهم شيء «راحة بالنا وسعادتنا الداخلية»، ولا ننسى كل من حولنا أيضاً، فالحياة قائمة على الحب والسلام والعدل والمشاركة والمساندة، وأنها تخضع لقوانين دقيقة، قانون التغيير الحركة والديمومة، السبب والنتيجة.
 
 
صحيفة الحياة 
 
 
 
** جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط.
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد