أزمة المعابر تفجر ملف اندماج الوافدين من الجزائر وليبيا - ريم بن رجب

mainThumb

26-09-2016 09:33 AM

لم تكن أزمة الاندماج وقبول الوافدين تُطرح في تونس، خاصة في فترة الاحتلال الفرنسي، فتونس كانت من أول الدول التي فتحت حدودها لتدفق الأسلحة للثوّار الجزائريين.
 
تعطّلت، منذ أشهر قليلة، حركة العبور بالبوابات الحدودية البرية بين تونس والجزائر لفترات متلاحقة، بسبب احتجاج المواطنين الجزائريين على دفع معلوم 30 دينارا لدخول تونس، ورغم وجود مفاوضات مستمرة بين البلدين لحل أزمة المعابر وعدت على إثرها تونس برفع الرسوم عن الرعايا الجزائريين، إلّا أن الأزمة لم تحلّ ولم تجد الوعود من الجانب التونسي طريقها إلى التطبيق بعد.
 
ويمثل الجزائريون عنصر دعم أساسيا للسياحة التونسية التي دخلت في مرحلة صعبة بعد العمليات الإرهابية التي عرفتها البلاد العام الماضي، حيث ألغيت العديد من الحجوزات وأغلقت بعض النزل السياحية أبوابها، وتراجعت أعداد الوافدين على تونس من مختلف الجنسيات، ما عدا حاملي الجنسية الجزائرية، وأيضا الليبية لكن بدرجة أقل ولأسباب مختلفة، لكنها مرتبطة بالأوضاع السياسية والأمنية غير المستقرة في ليبيا.
 
ورغم القرب الجغرافي والتاريخ النضالي المشترك فإن العلاقات بين تونس والجزائر تمرّ بفترة فتور بسبب أزمة المعابر الحدودية. ويبدو أن الشروع في احتواء هذا الفتور، بفتح قنوات تعاون جديدة بين البلدين في ظل التحديات الإقليمية والدولية المطروحة، هو الحل الأنسب في هذه المرحلة.
 
وبدأ الارتباك في العلاقات الدبلوماسية بين تونس والجزائر منذ التصريحات الناريّة التي أطلقتها لويزة حنون، رئيسة حزب العمّال الجزائري، والتي قالت فيها إن الرئيس الباجي قائد السبسي يعمل على تمكين الولايات المتحدّة من إنشاء قاعدة عسكرية أميركية في تونس، وهو ما اعتبرته الجزائر من خلال تصريحات العديد من السياسيّين، تهديدا مباشرا لأمنها، خاصّة وأنها رفضت في وقت سابق إنشاء القاعدة العسكرية على أرضها.
 
ولا يمكن قراءة العلاقات التونسية الجزائرية والعلاقات التونسية الليبية بمعزل عن واقع الشعوب، فالأنظمة السياسية المتعاقبة في هذه البلدان لم تأخذ بعين الاعتبار التحديات والهواجس المشتركة التي تجمع بين المواطن التونسي وجاره الجزائري أو الليبي، وهي تحديات اقتصادية بالأساس كانت السبب الرئيسي في خلق أزمة اجتماعية حالت دون تحقيق الاندماج المرجوّ بين الدول الثلاث.
 
لم تكن أزمة الاندماج وقبول الوافدين تُطرح في تونس، خاصة في فترة الاحتلال الفرنسي، فتونس كانت من أول الدول التي فتحت حدودها لتدفق الأسلحة للثوّار الجزائريين، وفتح الآلاف من التونسيين في قرية ساقية سيدي يوسف الحدودية والقرى المجاورة بيوتهم إلى الجزائريين الفارّين من الحرب وإلى جنود جيش التحرير الوطني للعلاج، وقد دفعت هذه القرية الصغيرة الواقعة في الشمال الغربي التونسي ثمن دعمها للقضية الجزائرية حيث تعرّضت إلى القصف من قبل القوّات الفرنسية في 8 فيفري سنة 1958.
 
وإلى اليوم ورغم تباين الخطابات السياسية وتضارب المواقف الرسمية للبلدين بخصوص بعض القضايا الإقليمية إلا أن التعاون مازال قائما خاصة في مجال مكافحة الإرهاب. ولا يمكن للتونسيين إنكار أن السيّاح القادمين من الجزائر أنعشوا السياحة في مختلف الولايات رغم الخطى المتعثرة لهذا القطاع الحيوي.
 
ويأمل التونسيون أن تنتهي أزمة المعابر وتنتهي معها معاناة العديد من سكّان الشريط الحدودي الذين تربطهم مع الجزائريين علاقات قرابة ومصاهرة؛ فالنسيج الاجتماعي الذي يجمع الشعبين وطيد، حيث توجد امتدادات قبلية وعروشية (عشائرية) مشتركة خاصة في الجنوب التونسي مثل عرش السوامش والربايع، إلى جانب الامتدادات الروحية المتمثلة في الطريقة القادرية وهي إحدى الطرق الصوفية والتي تنتسب إلى عبدالقادر الجيلاني حيث توجد زوايا (أماكن توجد بها أضرحة لأولياء صالحين) مشتركة في العديد من المناطق الحدودية. وللأسف لم تستثمر حكومات البلدين هذا البعد الروحي والثقافي الذي يجمع الشعبين لوضع سياسات عامّة تخدم مصالحهما.
 
ولا تُطرح اليوم معضلة الاندماج وقبول الآخر بنفس الطريقة مع الليبيّين رغم الروابط التاريخية والدموية والروحية، فالكثير من التونسيين خاصة في العاصمة وفي المدن الكبرى مثل سوسة وصفاقس، يشكون من ارتفاع أسعار كراء المنازل إثر تفجّر الأزمة الأمنية في ليبيا وتوافد مواطني هذا البلد إلى تونس للاستقرار أو من أجل التداوي في المصحّات الخاصّة. فالعائلات ذات الدخل المتوسط والمحدود لم تعد قادرة على مواجهة غلاء الكراء الذي يقدّر في الأحياء الشعبية بين 250 و500 دينار و“الراقية” بمعدل 700 وألف دينار، وفق المرصد الوطني إيلاف لحماية المستهلك.
 
ويشدّد خبراء على أهمية تعويض خسارة القطاع السياحي التقليدي الذي كان يعوّل على السيّاح الأجانب القادمين من دول الاتحاد الأوروبي بخدمات تقدم إلى الوافدين من دول المغرب الأفريقي خاصة الجزائر وليبيا وتشجيع السياحة العلاجية بما أن جزءا هامّا من الليبيين يتداوون في المصحّات التونسية.
 
في المقابل، يعاني التونسيون العاملين في ليبيا والمستقرّين هناك خاصة في الغرب الليبي من مشكلة في الاندماج بسبب التعقيدات القانونية وحتى الاجتماعية، فالآلاف من التونسيين الذين يعملون في القطاع الفندقي والخدمات لا يتمتعون بالإقامة القانونية وهو ما دفع الكثير منهم إلى النشاط في التجارة الموازية (تهريب البضائع).
 
هذا الوضع يحتاج فعلا إلى إعادة نظر حقيقية في العلاقات الثنائية بين الدول المغاربية، لكن يبدو أن مخاطر الإرهاب واستشراء العنف الممنهج في المنطقة والاشتباكات الدائرة حول نفط ليبيا بين قوات حفتر والميليشيات، قد يصعّب المهمة.
 
صحيفة العرب 
 
** جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط.

 



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد