«ثمار الربيع» وبذور العنصرية - سمير السعداوي

mainThumb

14-02-2017 02:42 PM

 عشية استفتاء على تسهيل إجراءات منح الجنسية لأحفاد المهاجرين الأجانب في سويسرا، كتب نائب عن حزب يميني متطرف في مدونته، محذراً من أنه «في غضون جيل أو جيلين، سيكون أبناء الجيل الثالث من المهاجرين الأجانب، ثمرة الربيع العربي».

لم يتوقف كثير من السويسريين عند هذا التحذير «المبالغ به» في رأيهم، ذلك أن عبارة «تسهيل» لا تعني أن الأمور أصبحت سهلة فعلاً أو تلقائية، إذ لا يزال يتعيّن على هؤلاء الأحفاد أن يكون الواحد منهم ولد في سويسرا ودرس فيها لخمس سنوات على الأقل، وأن يكون أحد والديه عاش هناك عقداً من الزمن ودرس لخمس سنوات على الأقل، إضافة الى ولادة أحد الأجداد فيها أو حصوله على إقامة.
 
تضاف إلى لائحة الشروط الطويلة أن على المرشح للتجنيس أن يتقن واحدة من اللغات الرسمية الأربع (الألمانية والإيطالية والفرنسية والرومانشية)، والأهم من ذلك كله، ألا يكون ممن يتلقون مساعدات اجتماعية. وباختصار فإن شيئاً أساسياً لم يتغير في ما هو معروف عن سويسرا باعتبارها من أصعب البلدان لجهة الحصول على جواز سفرها الأحمر الشهير، إضافة الى أن الإقامة فيها لا تتيسر الا للمقتدرين الذين لا يعرفون من مؤسسة الضمان الاجتماعي سوى فرع دفع الضرائب!
 
ويستفيد فوراً من «عملية التجنيس المبسطة» التي أقرها السويسريون البالغ عددهم 8 ملايين نسمة في استفتاء الأحد، حوالى 25 ألفاً من أحفاد المهاجرين، يتحدر معظمهم من إيطاليا، والبقية من تركيا ومنطقة البلقان.
 
وما دام الحديث عن بضعة آلاف من 8 ملايين، فليست هناك مبررات لذعر «مفتعل»، في بلاد لم تعرف في غالب الأحيان من العرب والمسلمين الذين استهدفهم تعبير «ثمرة الربيع»، سوى السياح أو أصحاب الأعمال والمتمولين الذين يزورون البلاد لعلاج او يوفدون أبناءهم لتحصيل علمي، وهؤلاء لا يصلون على متن قوارب ولا يتسللون مشياً عبر الحدود، بحثاً عن ملاذ بعيد من انعدام الأمن والرزق والطمأنينة في بلدانهم.
 
ومع الاعتراف بأن الأحداث التي شهدتها دول عدة في المنطقة في 2011 وما تلاها من تدفق للمهاجرين إلى أوروبا، قد تكون مبعثاً للقلق في القارة، غير انه من المفيد معرفة أن بعض السويسريين كجيرانهم في ألمانيا والسويد وغيرها، رحبوا بغالبية الوافدين باعتبارهم «أيادي عاملة رخيصة».
 
وبالتالي فإن أحداً لم يقدم خدمة مجانية لأحد. كما أن تخفيف بعض القيود الصارمة في إجراءات التجنيس، لم يستفد منه مهاجرو دول «الربيع العربي» الذين يحملهم الشعبويون في انحاء الغرب مسؤولية كل بلاء من الإرهاب الى الأزمات الاقتصادية.
 
باتت الأحزاب الشعبوية واليمينية المتطرفة في كل مكان، تشكل تياراً موحداً بفعل تنسيق عالي المستوى بين فروعه، تحاول ذرع «بذور الضغينة» تجاه الآخر أياً يكن، وذلك في إطار مشروعها للحكم. كما تلقت دفعاً معنوياً من بريطانيا بعد نجاح استفتاء الطلاق مع أوروبا، وتأمل في أن يصل الدعم ذروته من الولايات المتحدة التي تخوض صراعاً داخلياً حول «الهجرة» ستكون لنتائجه انعكاسات لا يُستهان بها.
 
عليه لم تعد سهام الشعبويين موجهة نحو الآخر، بل أصبحت تتمخض عن صراعات بين «أفراد العائلة الواحدة»، ناهيك عن ذهابها بعيداً في البحث عن مبررات، ما يظهر بوضوح نزعة عنصرية أكثر منها مخاوف جدية. غير أن الزائر لسويسرا وسائر دول أوروبا، سرعان ما يتيقن أن تلك الظاهرة لا تزال محدودة وتقتصر على قلة، وهذا الأمر «ثمرة» تحضّر ووعي وثقافة.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد